الدكتور فاضل حسن شريف
روى البخاري في صحيحه عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت: أول ما بدئ به رسول الله من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ثمّ حُبب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه، وهو التعبد الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها حتى جاءه الحق وهو في غار حراء فجاءه الملك فقال: اقرأ، قال: ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني فقال: "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ" (العلق 1-5) فرجع بها رسول الله يرجف فؤاده فدخل على خديجة بنت خويلد فقال: زملوني، زملوني، فزملوه حتى ذهب عنه الروع. لتحليل هذه الرواية فان بدايتها تخالف نهايتها وتناقضها فالنبي صلى الله عليه واله وسلم الذي يوحى اليه في المنام فهو اذا لا يتفاجأ بجبرائيل ويجهد نفسه بل يكون اكثر سرورا لان اصبح المنام واقع، والمصيبة انه يرتجف وهو الشجاع الذي يذهب الى غراء حراء البعيد الموحش ليلا، وكل هذه المسافة بين غراء حراء وبيته كان في روع كما ذكرت الرواية كأن وحش قدم عليه وليس الملك جبريل. فكاتب الرواية اسقط جبريل عليه السلام من حيث يعلم او لا يعلم. وكيف علمت السيدة عائشة كل ذلك هل كانت في بيت السيدة خديجة عليها السلام وقت حصول الحدث. لنكمل الرواية في الفقرة التالية.
فقال لخديجة وأخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسي، فقالت خديجة: كلا والله ما يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم وتحمل الكَل وتكسب المعدوم وتُقري الضيف وتُعين على نوائب الحق، فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ابن عم خديجة، وكان امرءاً قد تنصر في الجاهلية وكان يكتب الكتاب العبراني، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخًا كبيراً قد عمى، فقالت له خديجة: يا ابن عم، اسمع من ابن أخيك، فقال له ورقة: يا ابن أخي، ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله ما رأى، فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزَّل الله على موسى، يا ليتني فيها جذعاً ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك، فقال رسول الله: أو مُخرِجِيَّ هم؟ قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عُودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرًا مؤزرًا ثمّ لم ينشب ورقة أن توفي و فتر الوحي. وللرد على رواية البخاري حول خشية الرسول محمد صلى الله عليه واله وسلم على نفسه فالسؤال ممن يخشى من جبرائيل عليه السلام ام يشك من شئ اخر ليذهب الى ورقة بن نوفل ولا يذهب الى عمه ابو طالب او اي شخص اخر. وكل البشر لم يزيدوه قيد انملة بصدقه لهم ويكذب رسالة رب العالمين حاشاه الله من كذب المفترين. فلا يشك عاقل مؤمن برسالة الاسلام ان الرسول محمد صلى الله عليه واله وسلم يذهب الى احد للتحقق من رسالة السماء. فان جدلا ذهب الى ورقة او غيره لزيارته كاحد اقربائه او معارفه فلم يذهب له لغرض التأكد من صحة الرسالة على الاطلاق. وحتى ان خديجة عليها السلام لم تشك برسالته لتذهب الى هذا او ذاك للتأكد من نزول الوحي.
جاء في رواية: ورقة بن نوفل، بن أسد، بن عبد العزى، ابن عم خديجة، وكان امرأ قد تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبراني، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب. وللرد على هذه الرواية ان المزاعم ان ورقة بن نوفل كان يعتنق المسيحية وانه اسقف مكة فهي مردودة لأن الثابت ان ورقة بن نوفل كان يعتنق الحنفية واذا صح الحديث (وعن اسماء بنت ابي بكر ان النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن ورقة فقال يبعث يوم القيامة أمة وحده) فانه دليل ان ورقة لم يكن نصرانيا ولا من اي الطوائف المسيحية السائدة في وقته. هي تناقض رواية عائشة: حتى اتت به ورقة بن نوفل بن اسد بن عبد العزى وهو ابن عم خديجة اخي ابيها وكان امرءاً تنصر في الجاهلية وكان يكتب الكتاب العربي ويكتب من الانجيل بالعربية ما شاء الله ان يكتب وكان شيخاً كبيراً قد عمى. فهذا تناقض بين روايتين تقول يكتب بالعبرانية واخرى بالعربية ما شاء اي لم يشأ ان يكتب بغيرها ومنها العبرية. وتناقض اخر ان ورقة بن نوفل حنفي على ملة ابراهيم عليه السلام واخرى نصراني على ملة عيسى عليه السلام. وللقصة تكملة في الحلقة القادمة.
https://telegram.me/buratha