الدكتور فاضل حسن شريف
منذ خلق الله تعالى الانسان على الارض جعل البيت له سكنا مهما كان بسيطا "وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ" (النحل 80) البيوت هنا للراحة والهدوء. اصل كلمة البيت في اللغة مأوى الانسان في الليل "وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ" (النساء 81) فالفعل بات يعني اقام بالليل، بينما في النهار يقال ظل بالنهار.
الدار قد يحوي بيت او اكثر. والمنزل أوسع من البيت. قال الله تعالى "حَتَّىٰ إِذَا أَتَوْا عَلَىٰ وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ" (النمل 18) النمل يعيش في مسكن الذي يحتوي على بيت ومرافقه كما في حالة النمل. ووادي النمل يتكون من مستعمرات من المساكن لذلك المسكن يكون أكثر متانة من البيت الصغير. والعمارة السكنية التي تحتوي على شقق لا يصح ان يطلق عليها بيت. وكل شقة يطلق عليها بيت. والمنزل مكان النزول واقله بيتان.
ورد في ايات عديدة ان القصد من البيت هو البيت الحرام في مكة المكرمة. فالذي يدخل البيت الحرام هو في مأمن "وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا" (البقرة 125)، و البيت الحرام طاهر "أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ" (البقرة 125)" "وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ" (الحج 26) . و لابراهيم واسماعيل عليهما السلام علاقة في بناء البيت الحرام "وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ" (البقرة 127)، و الحاج والمعتمر عليه ان يطوف حول البيت الحرام "فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا" (البقرة 158)، و "وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ" (الحج 29). وقد امر الله عز وجل الناس بالطواف حول البيت الحرام منذ خليقة آدم عليه السلام وجعله خليفة في الارض "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً" (البقرة 30). والمستطيع عليه حج البيت الحرام "وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا" (ال عمران 97). و من فضل الله ورضوانه قصد البيت الحرام "وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا" (المائدة 2). و الله سبحانه جعل الكعبة البيت الحرام قياما للناس "جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ" (المائدة 97). و ان لا تكون الصلاة عند البيت الحرام مكاء وتصدية"وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً" (الانفال 35). و من دعاء النبي ابراهيم عليه السلام "رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ" (ابراهيم 37). و البيت الحرام يسمى ايضا البيت العتيق "وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ" (الحج 29)، و "ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ" (الحج 33). ويسمى البيت الحرام بالبيت المعمور "وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ" (الطور 3)، ويسمى ايضا بيت الله الحرام "فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَٰذَا الْبَيْتِ" (قريش 3).
وفي الجنة بيوت ايضا "رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ" (التحريم 11). وجاء في الحديث الشريف (اوصيك يا علي بخصال فاحفظها رابعها البكاء لله يبني لك بكل دمعة بيت في الجنة). وحتى الجبال يمكن انشاء بيوت بداخلها "اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا" (النحل 68)، و "وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ" (الحجر 82)، و "وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ" (الشعراء 149).
عند تصميم البيوت فالمفروض ان تتوفر فيها المتانة والجمال واحتياجات الانسان اخذين بنظر الاعتبار سلوكياته والمجتمع المحيط به. وقد يتطلب ذلك توفر المتخصصين بالبناء من بنائين ومهندسين ومعماريين. والزخرفة تعطي جمال اضافي وزينة "إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ" (الصافات 6). والجوار مطلب انساني له اهميته فالبيت الجميل في بيداء فارغة لا قيمة له من الناحية الاجتماعي وكما قيل ان الانسان خلق اجتماعيا بطبعه. فمنذ ان خلق الله البشرية لم يخلق انسانا واحدا بل اثنين آدم وحواء. وعندما ترك ابراهيم اهله عند بيت الله الحرام دعا الله ان يجعل افئدة الناس تهوي الى اهله "رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ" (ابراهيم 37). والبيوت التي تكون سكنا وطمئنينة فان الجار الودود يعطي السكينة لاهل البيت كما جاء في الحديث الشريف (مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت انه سيورثه. قال الله تعالى "وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ" (النساء 36) لذلك عند عمارة البيوت يؤخذ عامل الجار بعين الاعتبار.
https://telegram.me/buratha