الدكتور فاضل حسن شريف
يقصد بالبدعة النقصان او الزيادة عما ورد في الشريعة المعتمدة على القرآن والسنة. وقارئ القرآن في نهاية القراءة يقول صدق الله العظيم عند معظم المسلمين والقليل منهم يقول صدق الله العلي العظيم. و كما هو معروف فان كثير من الايات القرآنية تذم الكثرة بل ايات تمدح القلة. فموضوع القلة والكثرة ليست حجية يحتج بها الشخص لصحة العمل او عدمه. ولم يرد ان صدق الله العظيم او صدق الله العلي العظيم جزء من ايات القرآن ولا يحرم عدم ذكرها، بل هو من المستحبات اقرارا لصدقه سبحانه وليس تشكيكا. و يجوز قول صدق الله العلي العظيم بعد إكمال سورة الفاتحة أو السورة التي بعدها في الصلاة الواجبة أو المستحبة، ولكنه ليس بمستحب.
لو دققنا الايات القرآنية نجد ان اسماء الله الحسنى هي كلها لله "وَلِلَّهِ ٱلْأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ فَٱدْعُوهُ بِهَا" (الاعراف 180)، و "أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ" (الاسراء 110) و "اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ" (طه 8)، و "هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ" (الحشر 24). والعلي والعظيم اسمان من اسماء الله الحسنى والتي وردتا معا "الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ" (البقرة 255) (الشورى 4) وفيهما الثناء والتعظيم. ومنها في اية الكرسي "وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ" (البقرة 255) والتي تعتبر من الايات القرآنية التي تصف الله سبحانه وتعالى. ولم يرد مع العظيم سوية الا العلي من دون اسماء الله الحسنى الاخرى كما سنرى في الايات التي ذكرت فيها كلمة العظيم. اما صفتا العلي العظيم افضل من صفة العظيم لوحدها.
وبما ان العلي العظيم مذكورة في اية الكرسي معا فان لها ارتباط بالاية المباركة. قال الامام الصادق عليه السلام (العرش هو العلم الذي اطلع الله عليه انبياءه ورسله وحججه، والكرسي هو العلم الذي لم يطلع عليه احدا من انبيائه ورسله وحججه). وقال عليه السلام (اذا عاينت الذي تخافه فاقرأ اية الكرسي) وقال (ان لكل شئ ذروة وذروة القرآن اية الكرسي). واستنادا الى القرآن الكريم والسنة الشريفة ان مفسرين يقولون العلي العظيم في الايتين الكرسي "وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ" (البقرة 255) و " لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ" (الشورى 4) في موقع الثناء والتعظيم، وان الله العظيم في في الاية الشريفة "إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ" (الحاقة 33) في موقع التقريع والتخويف فمن الانسب ان يذكر (صدق الله العلي العظيم) مع انها ليت موجود في القرآن الكريم بالنص كما حال (صدق الله العظيم).
ورد قبل العظيم "وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ" (البقرة 105) (ال عمران 74) (الانفال 29) (الحديد 21) (الحديد 29) (الجمعة 4). "الْفَوْزُ الْعَظِيمُ" (النساء 13) (المائدة 119) (التوبة 72) (التوبة 89) (التوبة 100) (التوبة 111) (يونس 64) (الصافات 60) (غافر 9) (الدخان 57) (الحديد 12) (الصف 12) (التغابن 9). "رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ" (التوبة 129) (المؤمنون 86) (النمل 26). "وَالْقُرْآنَ الْعَظِيم" (الحجر 87). "كَالطَّوْدِ الْعَظِيم" (الشعراء 63). "فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ" (الواقعة 74) (الواقعة 96) (الحاقة 52). "إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤمِنُ بِاللَّهِ العَظِيمِ" (الحاقة 33) والاية في موقع التقريع والتخويف. "النَّبَإِ الْعَظِيمِ" (النبأ 2).
وليس بالضرورة ان يكون قبل العظيم اسم ممدوح بل قد يكون مذموما او حزينا كما ورد قبل العظيم "الْخِزْيُ الْعَظِيمُ" (التوبة 63). "مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ" (الصافات 76) (الصافات 115). "الْحِنْثِ الْعَظِيمِ" (الواقعة 46).
وقد ورد صدق الله في قوله تعالى "قُلْ صَدَقَ اللهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ" (ال عمران 95).
اما مع العلي فقد وردت كلمة الكبير وهي من اسماء الله الحسنى ايضا بعدها اكثر من العظيم "الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ" (الحج 63) (لقمان 30) (سبأ 23) (غافر 13). ولكن المذاهب الاسلامية متفقة على وجود العظيم بدل الكبير في صدق الله العظيم او صدق العلي العظيم.
وفي رواية عن النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم انه قال الى عبد الله بن سلام عندما قال للنبي صلى الله عليه وآله : فأخبرني ما ابتداء القرآن وما ختمه. فقال صلى الله عليه وآله وسلم: يا بن سلام، ابتداؤه بسم الله الرحمن الرحيم. وختمه صدق الله العلي العظيم. ولو ان الرواية سندها من حيث وجود كلمة العلي فيه نقاش بين اصحاب سند الاحاديث النبوية. ولكن في معركة الاحزاب ذكرت عبارة صدق الله العلي العظيم بدون اشارة الذكر عند انتهاء قراءة القرآن الكريم. وفي رواية ان الامام الصادق عليه السلام قال الى ام داوود: فإذا فرغت من ذلك وأنت مستقبل القبلة، فقولي: بسم الله الرحمن الرحيم : صدق الله العلي العظيم، الذي لا إله إلا هو الحي القيوم. وقال اخرون كانت رزاية الامام الصادق عليه تحوي صدق الله العظيم.
جاء الرحيم بعد احد اسماء الله الحسنى في ايات القرآن ومنها "الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ" (الفاتحة 1) (الفاتحة 3) (البقرة 163) (النمل 30) (فصلت 2) (الحشر 22). "التَّوَّابُ الرَّحِيمُ" (البقرة 37) (البقرة 54) (البقرة 128) (البقرة 160) (التوبة 104) (التوبة 118). "الْغَفُورُ الرَّحِيمُ" (يونس 107) (يوسف 98) (الحجر 49). وبما ان الانسب عند بداية قراءة القرآن باثنين من اسماء الله الحسنى وهما الرحمن الرحيم وليس اسم واحد الرحيم فان الانسب ذكر اسمين من اسماء الله العظمى عند الانتهاء من القراءة وهما العلي العظيم وليس اسم واحد العظيم.
https://telegram.me/buratha