الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في المصباح عن المعلى بن خُنيس عن الصادق عليه السلام أنَّه قال: قل في رجب (للّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ صَبْرَ الشَّاكِرِينَ لَكَ وَعَمَلَ الخائِفِينَ مِنْكَ وَيَقِينَ العابِدِينَ لَكَ، اللّهُمَّ أَنْتَ العَلِيُّ العَظِيمُ وَأَنا عَبْدُكَ البائِسُ الفَقِيرُ أَنْتَ الغَنِيُّ الحَمِيدُ وَأَنا العَبْدُ الذَّلِيلُ، اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَامْنُنْ بِغِناكَ عَلى فَقْرِي وَبِحِلْمِكَ عَلى جَهْلِي وَبِقُوَّتِكَ عَلى ضَعْفِي يا قَوِيُّ يا عَزِيزُ، اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الأَوْصِياء المَرْضِيِّينَ وَاكْفِنِي ما أَهَمَّنِي مِنْ أَمْرِ الدُّنْيا وَالآخرةِ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ).
يقول الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام وهو الامام السادس من ائمة اهل بيت النبي عليهم السلام (اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ صَبْرَ الشَّاكِرِينَ لَكَ). ربط الامام عليه السلام الصبر مع الشكر وشهر رجب وهو من ايام الله سبحانه كما جاء في القرآن الكريم و "وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ" (ابراهيم 5). والعابد عليه بيقين الله تعالى "وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ" (الحجر 99). يقول الله سبحانه وتعالى عن الصبر في القرآن الكريم انه من عزم الامور "وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ" (الشورى 43). والصبر من صفات اولوا العزم "فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ" (الاحقاف 35). وعند الشدائد عليك الاستعانة بالصبر "اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ" (البقرة 45) (البقرة 153)، "وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ" (البقرة 117). والبشرى تحصل بعد الصبر "وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ" (البقرة 155)، و "اللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ" (البقرة 249) (الانفال 46) (الانفال 66)، و "وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا" (الاعراف 137)، و "وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ" (النحل 126). ومن ادعية الصبر "رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا" (البقرة 250)، و "رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ" (الاعراف 126). والله يحب الصابرين "رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا" (ال عمران 146). والصبر خطاب الانبياء لاقوامهم "قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا" (الاعراف 128)، "قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا" (الكهف 69)، بالاضافة انهم صابرون "وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ" (الانبياء 85). وافضل انواع الصبر هو الصبر الجميل "قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ" (يوسف 18) (يوسف 83)، و الصبر مع الشكر "وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ" (ابراهيم 5).
وعليك ان تخاف الله تعالى كما قال الصادق عليه السلام (وَعَمَلَ الخائِفِينَ مِنْكَ وَيَقِينَ العابِدِينَ لَكَ) حيث كان الانبياء عليهم السلام اكثر الناس خوفا من الله عز وجل "قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ" (الانعام 15) (الزمر 13)، و "إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ" (الاعراف 59)، و "إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ" (الانفال 48)، و "إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيم" (يونس 15)، و "إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ" (هود 26)، و "إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ" (هود 84). والدعاء يصبح اكثر قبولا مع الشعور بخوف الله "تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا" (السجدة 16). وعلى العبد ان يكون له يقين لا شائبة به بالله سبحانه وقوله ومنها اليقين بالاخرة "وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ" (البقرة 4)، و " لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ" (الرعد 2). وحق اليقين من اعلى درجات اليقين "إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ" (الواقعة 95)، و "وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ" (الحاقة 51).
يقول الامام الصادق عليه السلام (اللّهُمَّ أَنْتَ العَلِيُّ العَظِيمُ وَأَنا عَبْدُكَ البائِسُ الفَقِيرُ أَنْتَ الغَنِيُّ الحَمِيدُ وَأَنا العَبْدُ الذَّلِيلُ). ورد العلي العظيم في ايتين مباركتين وهما من اسماء الله الحسنى "وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ" (البقرة 255)، و "لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ" (الشورى 4). واتباع اهل البيت يقولون عند الانتهاء من قراءة ايات القرآن (صدق الله العلي العظيم) لان بداية القراءة تبدأ (بسم الله الرحمن الرحيم) ففي اثنان ايضا من اسماء الله الحسنى وهما الرحمن الرحيم. والبائس الفقير وردت معا في سورة الحج "فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ" (الحج 28). والله هو الغني الحميد كما ورد في عدد من آيات القرآن "هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ" (الحج 64) (لقمان 26) (فاطر 15) (الحديد 24) (الممتحنة 6). والانبياء كانوا عبادا اكثر ذلة لله سبحانه "وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ" (ص 30)، و "إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ" (ص 44). ومن صفات العبودية الذلة لله.
وفي دعائه عليه السلام (اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَامْنُنْ بِغِناكَ عَلى فَقْرِي وَبِحِلْمِكَ عَلى جَهْلِي وَبِقُوَّتِكَ عَلى ضَعْفِي يا قَوِيُّ يا عَزِيزُ). قال الله تعالى "إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا" (الاحزاب 56)، و "يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ أَنتُمُ ٱلْفُقَرَآءُ إِلَى ٱللَّه وَٱللَّهُ هُوَ ٱلْغَنِىُّ ٱلْحَمِيدُ" (فاطر 15)، و "فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ" (الانعام 35)، و "ٱللَّهُ لَطِيفٌۢ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ وَهُوَ ٱلْقَوِىُّ ٱلْعَزِيزُ" (الشورى 19). جاء في الصحيفة السجادية (مَوْلايَ مَوْلايَ، أَنْتَ الْقَوِيُّ وَأَنَا الضَّعِيفُ، وَهَلْ يَرْحَمُ الضَّعِيفَ إلاَّ الْقَوِيُّ).
وفي اخر الدعاء من ادعية شهر رجب يقول الصادق عليه السلام (اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الأَوْصِياء المَرْضِيِّينَ وَاكْفِنِي ما أَهَمَّنِي مِنْ أَمْرِ الدُّنْيا وَالآخرةِ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ). اورد السخاوي والسمهودي والشافعي والطهطاوي الحنفي وابو القاسم السهمي والديلمي وابن حجر وابو سعود الانصاري وغيرهم بان الصلاة على الرسول محمد واله هي المشروعة وبدون آله هي صلاة غير مشروعة. وجاء في الحديث الشريف: يا جندل أوصيائي من بعدي بعدد نقباء بني اسرائيل، الائمة بعدي اثنا عشر. وجاء في الحديث النبوي الشريف عن الدنيا (مالي وللدنيا، ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها). ومن الادعية القرآنية التي فيها ارحم الراحمين "وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ" (الاعراف 151)، و "فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ" (يوسف 64)، و "أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ" (الانبياء 83).
https://telegram.me/buratha