الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في كتاب فاجعة الطف للسيد محمد سعيد الحكيم: خطبة الزهراء عليها السلام الكبرى قال الطبرسي: فهيهات منكم، وكيف بكم، وأنى تؤفكون، وكتاب الله بين أظهركم، أموره ظاهرة، وأحكامه زاهرة وأعلامه باهرة، وزواجره لايحة، وأوامره واضحة، وقد خلفتموه وراء ظهوركم. أرغبة عنه تريدون؟ أم بغيره تحكمون؟ "بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَل" (الكهف 50)، "وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ" (ال عمران 85) . ثم لم تلبثوا إلا ريث أن تسكن نفرتها ويسلس قيادها، ثم أخذتم تورون وقدتها وتهيجون جمرتها، وتستجيبون لهتاف الشيطان الغوي، وإطفاء أنوار الدين الجلي، وإهمال سنن النبي الصفي، تشربون حسواً في ارتغاء، وتمشون لأهله وولده في الخمرة والضراء يصير (ونصبر) منكم على مثل حز المدى ووخز السنان في الحشا.
جاء في كتاب مرشد المغترب للسيد محمد سعيد الحكيم: وإلا غلبتم على أمركم وذبتم في تلك المجمعات الفاسدة المتحللة، وانصهرتم به، وضاعت شخصيتكم، وتحطم كيانكم إلى غير رجعة، وكان ذلك سبباً في خذلان الله تعالى لكم، فيعرض عنكم ويكلكم إلى أنفسكم "وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ" (ال عمران 160). على أن الإصرار والاستمرار على الالتزام الديني وإن كان قد يكون سبباً للحرج في أول الأمر، إلا أنه إذا كان مشفوعاً بحسن الخلق وجميل المعاشرة، يلجئ مجتمعكم إلى الاعتراف به على أنه الأمر الواقع الذي لابد من التسليم به والتعايش معه، والتعامل معكم على أساسه، فتخف عليكم مؤنته. بل يرفع من مكانتكم في نفوسهم، ويفرض احترامكم عليهم. لأن النفوس مجبولة على احترام ذوي المبادئ الشريفة، والإرادة القوية، والشخصية المتكاملة.
جاء في كتاب فاجعة الطف للسيد محمد سعيد الحكيم: غلبة الباطل لا توجب ضياع الدين الحق وخفاء حجته: وحينئذ لابد من كون غلبة الباطل وتسلطه بنحو لا يمنع من قيام الحجة على بطلان دعوته، وصحة دعوة الحق، بحيث تنبه الغافل لذلك، وتقطع عذر الجاهل. كما لابد أن تبقى الدعوة المحقة التي يرعاها المرجع المعصوم شاخصة ناطقة، بحيث لو طلبها من شاء من أهل ذلك الدين وغيرهم، ونظر في حجتها بموضوعية تامة، بعيداً عن التعصب والعناد، لوصل إليه. ونتيجة لذلك لابد من كون الخلاف للحق، والخروج عنه ليس لقصور في بيانه وخفاء فيه، بل عن تقصير من الخارج بعد البينة، وقيام الحجة الكافية على الحق. كما قال الله تعالى: "وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ" (ال عمران 105).
جاء في كتاب مرشد المغترب للسيد محمد سعيد الحكيم: على أنها قد ألهتهم عن الله تعالى وأنستهم ذكره، فاستحوذ عليهم الشيطان، وغرقوا في معصية الله تعالى وتمادوا في سكرتهم، فأعرض سبحانه عنهم ووكلهم إلى أنفسهم وأمهلهم، وإن من أشد عقوبات الله تعالى لعباده إمهالهم والإملاء لهم. قال الله تعالى: "وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْماً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ" (ال عمران 178). وعلى ذلك يتأكد عليكم أن تبعدوا أنفسكم عن تلك المواضع ونحوه، وعن مخالطة تلك المجتمعات الفاسدة تحرجاً وترفعاً وتنزهاً وتعفف. إلا أن تضطروا لذلك أو تبرره حاجة و مصلحة راجحة، فتقتصروا منه على ما تؤدى به الضرورة، فإن الضرورات تقدر بقدره. لكن مع كمال الإنكار والاستهجان لها ورفضها في نفوسكم، ليعلم الله منكم صدق النية في طاعته، والتورع عن محارمه، والغضب له، والإنكار لمعصيته. واستبدلوا بها مواضع ذكر الله ومجامع الخير والهدى والصلاح. وعليكم أن تحاولوا إيجاد مجامع، ومواضع ترفيه وتجمّع لكم، تناسب وضعكم الديني والأخلاقي والاجتماعي ـ ولو على نطاق ضيق ـ تزيدكم تعلقاً بواقعكم الذي ألفتموه في بلادكم، وتمسكاً بدينكم العظيم، ومثلكم الشريفة، وأخلاقكم الفاضلة. والله سبحانه وتعالى معكم إن لزمتموه وراقبتموه، وهو المعين لكم في محنتكم والرحيم بكم في دنياكم وآخرتكم.
https://telegram.me/buratha