الدكتور فاضل حسن شريف
قال الله سبحانه وتعالى في سورة النمل "قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31) قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ (32) قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ (33) قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (34) وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (35) فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (36) ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ (37) قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38) قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39) قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40) قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ (41) فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (42) وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ (43) قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (44)" (النمل 29-44).
قالت الملكة لملأها جاءني كتاب من سليمان وقد كرمت الكتاب لعظمة ملك سليمان الخاتم للكتاب والذي يعبد الله. والكتاب صادر في حقيقته من ربه الله وان لا يستكبروا عليه ويستسلموا بالابمان بالله. وطلبت رأيهم اي استشارتهم لانها لا تريد ان تكون مستبدة بالرأي فردوا عليها ان الرأي لك نسمعه اولا وسوف ندافع عنك لان فينا القوة والمنعة فنحن عند امرتك. وكان رأيها ان ترسل مرسلين الى سليمان لمعرفة حقيقة ملكه لانها تعرف ان الملك عندما لا يطاع سوف يخرب المدن التي يدخلها ويجعل اهلها الاعزة أذلة، وحتى نقدر الأمر اما حرب اوسلم معه، فاذا كان قويا فالسلم معه افضل. وسأرسل هدية مع المرسلين الذاهبين الى سليمان وننظر ماذا سيقول المرسلون بعد رجوعهم من سليمان. فتعجب سليمان عليه السلام من الهدية المالية فقال للمرسلين ان الله آتاني اكثر من مالكم الهدية الفرحين بها. ثم قال عليه السلام لرئيس المرسلين ان يرجع الى الملكة وملأها ويقول لها انه سيرسل جنود لا قبل لكم بها ونخرجكم اذلة صاغرين. وبعدها قال سليمان عليه السلام للملأ من الجن والانس والطير ايكم يأتيني بعرش ملكة سبأ فاجابه عفريت من الجن انا آتيك به قبل ان تقوم من مقامك وانا قادر على ذلك. وقال الذي عنده علم من الكتاب الذي هو علم الله وليس علم مكتسب انا آتيك بالعرش بأقل من لمحة بصر، ولما رأى سليمان العرش مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي وانه امتحان هل اشكر ام اكفر بالنعمة، فنتيجة الشكر تعود للشاكر وليس لرب العباد لانه غني كريم. بعدها قال سليمان عليه السلام لملكة سبأ عند قدومها أهكذا عرشك وكلمة عرش كلمة نكرة، لكي يلاحظ هل ستهتدي ام لا لانها كانت كافرة تعبد من دون الله، فقالت كأنه هو. قال لها خدم سليمان ادخلي القصر فعندما دخلته ظنت ان القصر يحوي ماء فرفعت ثيابها وكشفت عن ساقيها حتى لا تبتل الثياب. ولكن سليمان عليه السلام قال لها انه ليس ماء بل قصر املس من زجاج، فتعجبت ملكة سبأ من ملك سليمان واتيانها بعرشها، واعتبرت كل ذلك آيات عن نبوته فأسلمت مع سليمان لله رب العالمين وشعرت بظلمها كونها كانت كافرة.
يقول الله سبحانه وتعالى في سورة سبأ "وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ (12) يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13) فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ (14)" (سبأ 12-14).
سخر الله تعالى الريح لنبيه سليمان عليه السلام كما تطرقنا لذلك في الحلقة السابقة في سورة الانبياء الاية 81، وهنا في سورة سبأ بين الله تعالى فترات زمنية، وجعلنا له النحاس مذابا. وفي سورة النمل كان لسليمان جنود من الجن حيث اوضح سبحانه وتعالى في سورة سبأ هذه ان منهم من يعمل بأذن الله ما يطلب سليمان عليه السلام واذا احد من الجن لم ينفذ طلبه فسوف يذيقه الله العذاب. ومن اعمال الجن لسليمان عليه السلام المحاريب وهي مكان اقامة الصلاة والعبادة، والتماثيل وجفان الطعام وجوابي المياه وقدور طبخ الطعام المتينة. فعليكم آل داود العمل وعبادة الله ولو ان قليل من عباد الله الشكور. ولما مات سليمان عليه السلام كان متكأ على عصا ولم يعلم احد انه ميت لانهم لا يعلمون الغيب فارسل الله تعالى حشرة الارضة لتأكل العصا وعندما سقط سليمان عليه السلام علم الجن في حينها انه ميت.
وفي سورة ص يقول الله تعالى عن نبيه سليمان عليه السلام "وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30) إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ (31) فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32) رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ (33) وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ (34) قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (35) فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (38) هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (39) وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ (40)" (ص 30-40).
وهب الله تعالى للنبي داوود عليه السلام ولد وهو سليمان. وفي اخر النهار عرض على سليمان عليه السلام الخيل السريع وهو الخير، وكان يجاهد فيها. و قد مرض وارتمى على الكرسي كجسد لا روح له من شدة المرض وكان ذلك اختبار له، ثم افاق وقال سليمان عليه السلام ربي اغفر لي واعطني ملكا عظيما، وهي تسخير الريح تطاوعه حيث يريد، والشيطاين البنائين و الغواصين كما ذكرنا في الحلقة السابقة في سورة الانبياء آية 82 ، وآخرين مشدودين بالسلاسل. وكل ذلك عطاء من الله بغير حساب.
https://telegram.me/buratha