الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في سورة النجم عن معجزة المعراج قوله تعالى "وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ (2) وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَىٰ (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَىٰ (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ (9) فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَىٰ (10) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ (12) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ (13) عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَىٰ (14) عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَىٰ (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ (17) لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَىٰ (18)" (النجم 1-18).
ذكرت معجزة المعراج في سورة النجم وهي من السور المكية التي تحوي 62 آية. والغرض من السورة التذكير بالربوبية والمعاد والنبوة. وهي من السور الاولى التي قرأها الرسول محمد صلى الله عليه واله وسلم على قومه. واجمع الرواة ومنهم ابن عباس وانس وابي سعيد الخدري وغيرهم ان السورة لها علاقة وثيقة بقصة المعراج.
اقسم الله عز وجل بالنجم وهو الجرم السماوي. اذا هوى اي عند غروبه "وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ" (النجم 1). الضلال هو الخروج عن الصراط المستقيم. والغي خلاف الرشد "مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ " (النجم 2) الصاحب هو الرسول محمد صلى الله عليه واله وسلم. المراد بالهوى هو هوى النفس "وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ" (النجم 3) فالنبي محمد صلى الله عليه واله وسلم لا ينطق عن الهوى انما هو وحي يوحى اليه "إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ" (النجم 4). شديد القوى هو جبرائيل عليه السلام "عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ" (النجم 5) وكما جاء في قوله تعالى "ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ" (التكوير 20). المرة يعني حصافة العقل، و ذي مرة المراد به جبرائيل، وقيل ان الشديد وحصيف العقل هو الرسول محمد صلى الله عليه واله وسلم "ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَىٰ" (النجم 6) فاستوى يعني فاستقام جبرائيل على صورته الاصلية هذه المرة في السماء خلال المعراج "وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَىٰ" (النجم 7) اي في السماء العالية. وقيل الاستواء للرسول محمد صلى الله عليه واله وسلم. الدنو يعني القرب، والتدلي اي التعلق بالشئ "ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ" (النجم 8) حيث قرب جبرئيل بقدر قوسين فتعلق النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم به ليعرج به الى السماء "فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ" (النجم 9) وفي رواية اخرى ان النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم قرب من الله تعالى بقدر قوسين اي ذراعين او اقل.
اوصى جبرئيل الى عبد الله وهو النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم ما اوحى له الله تعالى "فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَىٰ" (النجم 10). ما كذب فؤاد النبي ما رآه "مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ" (النجم 11) اي الرؤيا الصادقة بالقلب كما جاء في قوله تعالى في قصة موسى عليه السلام "وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ" (الاعراف 143). ووبخ الله تعالى القوم على مماراتهم اي مجادلتهم ما رآى الرسول محمد صلى الله عليه واله وسلم في المعراج "أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ" (النجم 12).
ونزل جبرائيل على الرسول محمد صلى الله عليه واله وسلم نزلة اخرى " وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ" (النجم 13) للعروج الى السماوات عند سدرة المنتهى "عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَىٰ" (النجم 14) عندها جنة المأوى "عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَىٰ" (النجم 15). والسدرة هي شجرة اي مكان فيه هذه الشجرة في السماء السابعة كما جاء في الروايات وكما قال الله تعالى "وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ" (الذاريات 22) وهي جنة المأوى التي يأوى اليها المؤمنون كما قال الله تعالى "أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" (السجدة 19) و "فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى" (النازعات 41). الزيغ الميل عن الاستقامة، والطغيان تجاوز الحد، والبصر هو بصر النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم. والابصار بالقلب لا بالعين "مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ" (النجم 17). وشاهد الرسول صلى الله عليه واله وسلم بعض الآيات الربانية "لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَىٰ" (النجم 18) من للتبعيض.
https://telegram.me/buratha