الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في كتاب علوم القرآن عن القصص القرآنية للسيد محمد باقر الحكيم: ظاهرة تأكيد دور إبراهيم وموسى عليهما السلام: فمن الملاحظ ان القرآن الكريم أكد دور بعض الأنبياء في ذكر تفاصيل حياتهم وظروفهم أكثر من دور بعضهم الاخر وبالخصوص النبي إبراهيم وموسى عليهما السلام، مع أن الخصائص العامة التي يراد منها بالأصل استنباط العبرة والموعظة واستخلاص القانون والسنة التأريخية متشابهة، ولذا تأتي الإشارة إلى قصص مجموعة من الأنبياء في كثير من الموارد في سياق واحد، فهل يعني هذا التأكيد أهمية شخصية هذا النبي وفضله بالمقارنة مع بقية الأنبياء فقط؟ أو يمكن أن يكون وراء ذلك - إضافة إلى هذه الأهمية - مقاصد وأهداف أخرى اقتضت هذا اللون من التأكيد؟ قد يكون في الحقيقة أن بعض هؤلاء الأنبياء أفضل من بعضهم الاخر كما أنه قد يكون هذا البعض هو إبراهيم وموسى، ولكن لا يعني ذلك أن يؤكد القرآن دور هذين النبيين مثلا، أو غيرهما كعيسى الذي جاء الحديث عنه بنسبة أقل لمجرد فضلهم، لان القرآن بالأصل ليس بصدد تقييم عمل هؤلاء الأنبياء والحديث عن التفاضل بينهم، وانما الاهداف الأصلية للقصة التي أشرنا إليها وذكرها القرآن هي: العبرة والموعظة والتثبيت وإقامة الحجة والبرهان على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وآله ومضمون رسالته: "وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ" (هود 120). ولذلك يمكن أن نقول بأن القرآن انما كان يؤكد دور هؤلاء الأنبياء في حديثه عنهم لأنه كان يواجه حقيقة هي: أن لهؤلاء الأنبياء اتباعا وأقواما يرتبطون بهم فعلا في المجتمع الذي كان يتفاعل القرآن معه عند نزوله، وهذا الامر كان يفرض من أجل ايجاد القاعدة التغييرية أن يتحدث عنهم القرآن باسهاب.
جاء في رسالة التقريب للشهيد السيد محمد باقر الحكيم قدس سره: ملاحظات عامة حول القصة: 1 - إن الهدف الأساس من قصة نوح التي تتميز عن بقية القصص القرآنية كما يبدو من القرآن هو مجموع أمرين: الأول: أن يضرب الله مثلاً لهلاك قوم رسول من أولي العزم كذبوا نبيهم وهموا به، حيث كانت قضية نوح أول حادثة في التاريخ الإنساني تعرض فيها قوم نبي من الأنبياء إلى الهلاك كما كان الرسول الوحيد من اولي العزم الذي جرى في قومه هذا الهلاك. وقد كان الهلاك فيها عاماً شاملاً حتّى أنّه وصل إلى الأقربين من نوح عليه السلام. وهذه القضية من القضايا التي يؤمن بها أهل كل الرسالات السماوية وجميع الأقوام والملل المعروفة في التاريخ البشري. كما يدل على ذلك تراث هذه الأمم، ولذلك فهي مثل صادق ينتفع به كل الناس. الثاني: إن هذه القصة تعبر عن المثل الأعلى للصبر والشجاعة بسبب طول المدة المقرونة باليأس والوحدة، إذ لا نعرف في أي واحد ممن ذكر الله قصته من الأنبياء أنّه مكث في قومه هذه المدة الطويلة يدعوهم إلى الله ويكذبونه ولا يجد بينهم ناصراً له منهم إلا القليل المستضعف، ويستمر في عمله والقيام بوظيفته مع اليأس من هدايتهم وصلاحهم. 2 - لقد كان من نتائج الطوفان وآثاره تثبيت خط التوحيد لله تعالى في التاريخ البشري من خلال البقية الباقية لذرية نوح المؤمنين مع بقاء هذه الحادثة قائمة في الذاكرة التاريخية للبشرية، وكذلك لم يشهد التاريخ البشري حادثة أخرى مماثلة لهذه الحادثة بعد ذلك بل كان العذاب ينزل في هذه الجماعة الخاصة أو تلك، وإن العذاب كان ينزل بسبب الانحرافات الأخلاقية والاجتماعية التي تتعرض لها هذه الجماعات. 3 - إن رواية القصة في التوراة جاءت متفاوتة مع ما ذكر منها في القرآن الكريم، كما أشرنا آنفاً. ويمكن أن نلاحظ الاختلاف بين القرآن والتوراة في النقاط المهمة التالية: أ - وجود تفاصيل في النص القرآني - على عمومه وإجماله - ذات مغزى مهم لم تذكر في الرواية التوراتية الموجودة، مثل استثناء امرأة نوح من النجاة وغرق ولده، بل صرحت التوراة بدخول امرأته في الفلك ونجاتها، ولم تذكر ابن نوح الغريق. وكذلك يصرح القرآن بنجاة المؤمنين بنوح على قلتهم، مع أن التوراة تقتصر على خصوص نوح وأهله. ب - وجود تفاصيل في التوراة عن القصة ليس لها مغزى وهدف، مثل خصوصيات السفينة من طولها وعرضها وطبقاتها وارتفاعها ومدة الطوفان وارتفاع الماء وكيفية نقصان الماء ومحاولات نوح لاستكشاف جفاف الأرض بإرسال الغراب والحمامة ومجيئها في المرة الثانية بغصن الزيتون. ونزول نوح والحيوانات والدواب وانتشاره في الأرض للتكاثر والتوالد. وكذلك بنائه لأماكن الذبح والعبادة، والقرار الإلهي بتمكين نوح من الحيوانات الأرضية والطيور والحيوانات المائية، وأن الله وضع ميثاقاً بينه وبين نوح وذريته وعلامة تذكرهم بالميثاق وهو قوس قزح، إلى غير ذلك من التفاصيل التي لا مغزى لها ولأهدف، كما أن بعضها بعيد وغريب لا يقبله المنطق السليم. ج - ذكرت التوراة بعض التفاصيل التي لا تليق بالأنبياء وقداستهم، مثل ما فعله أحد أبناء نوح بأبيه بعد أن كان قد سكر نوح بشرب الخمر حيث تعرى داخل خبائه، فنظر إليه ولده عارياً وأخبر إخوته بذلك فقاموا بستر عورته. وعندما استيقظ من سكرته لعن ولده كنعان الذي نظر إلى عورته ودعا عليه أن يكون عبداً لاخوته. د - وجود تفاصيل تخالف ظاهر القرآن أو صريحة مثل ذكر التوراة لنجاة أبناء نوح، وذكر القرآن لغرق بعض أبنائه. وكذلك ذكر القرآن أن المدة التي لبث فيها نوح مع قومه قبل الطوفان هي تسعمائة وخمسون عاماً، والتوراة تذكر مدة عمر نوح كلها هي تسعمائة وخمسون عاماً. وقد تأثر بعض الصحابة والتابعين بهذه المعلومات التي وردت في التوراة، فأخذوها عن أهل الكتاب وتناقلوها بينهم وقد يكون بعض هذه المعلومات التي لا تخالف القرآن والتفاصيل صحيحاً ولكن لا يمكن الاعتماد عليه. وبذلك يمكن أن نفهم سمو الهدف القرآني وارتباط نصه بالوحي الإلهي ومصداقية قوله تعالى في آخر قصة نوح من سورة هود، وهو أكثر مواردها تفصيلاً: "تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ" (هود 49). 4 - ورد في الروايات العديدة التي روى أكثرها العياشي في تفسيره، عن أهل البيت عليهم السلام أن حياة نوح والطوفان والتنور كان في الكوفة ومسجدها الأعظم. وأن الجودي الذي استقرت عليه السفينة هو جبل قرب الكوفة ولعله الغري. وأن الجبل الذي آوى إليه ابن نوح هو جبل النجف الذي كان جبلاً عظيماً، ثم تقطع بأمر الله قطعاً قطعاً حتّى امتد إلى بلاد الشام وصار بعضه رملاً، وهو المعروف الآن بالطارات، وهذا التفسير التاريخي للحادثة مما اختص به تراث أهل البيت عليهم السلام دون غيرهم. ولعل الأبحاث التاريخية والأثرية تكشف هذه الحقيقة في المستقبل.
عن القصص القرآنية للسيد محمد باقر الحكيم: النصر الإلهي للأنبياء: بيان نصرة الله لأنبيائه وان نهاية المعركة تكون في صالحهم مهما لاقوا من العنت والجور والتكذيب كل ذلك تثبيتا لرسوله محمد صلى الله عليه وآله وأصحابه وتأثيرا في نفوس من يدعوهم إلى الايمان. وقد نص القرآن الكريم على هذا الهدف الخاص أيضا بمثل قوله تعالى: "وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ" (هود 120). وتبعا لهذا الغرض وردت بعض قصص الأنبياء مؤكدة على هذا الجانب بل جاءت بعض هذه القصص مجتمعة ومختومة بمصارع من كذبوهم وقد يتكرر عرض القصة نتيجة لذلك كما جاء في سورة هود والشعراء والعنكبوت.
https://telegram.me/buratha