الدكتور فاضل حسن شريف
شهر رمضان شهر هداية كما جاء في آية شهر رمضان "شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ" (البقرة 185) كيف لا فهو شهر القرآن.
في شهر رمضان يتكامل المجتمع بالصيام بالتصدق على المساكين وحفظ اللسان ومساعدة الايتام وليس فقط الامتناع عن الطعام والدعاء وقراءة القرآن، والايمان والتقوى لا يكتملان الا بالنظر الى الاخرين في المجتمع ومنهم العائلة. والعشر الاوائل من رمضان تمثل ايام الرحمة بالاحسان كما في الاية "ِانَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ" (الاعراف 56) و "الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ" (ال عمران 134) فالاحسان موجب لرحمة الله وذلك بخدمة الناس فارحم من في الارض يرحمك من في السماء. والعشر الاواسط من رمضان ايام المغفرة فكما في الاية "ِانَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ" (الزمر 53) وافضل اعمال المغفرة الدعاء بالمغفرة كما في الصحيفة السجادية و مناجاة زين العابدين و دعاء ابي حمزة. والعشر الاواخر من رمضان هي العتق من النار ومن فطر صائم كانما عتق رقبة كما جاء في الحديث (لن يوافي عبد يوم القيامة يقول لا إله إلا الله يبتغي بها وجه الله إلا حرَّم الله عليه النار).
اليَوم الأوّل من شهر رمضان وفيهِ أعمال الأول: أن يغتسل في ماء جار، فإن ذلِكَ يورث الامَن مِن جميع الآلآم والاسقام في تلكَ السنة. الثاني: أن يغسل وجهه بكف من ماء الورد لينجو مِن المذلة والفقر، وأن يصّب شيئاً مِنهُ على راسه. الثالث: أن يؤدي ركعتي صلاة أول الشهور والصدقة بَعدهما. الرابع: أن يصلي ركعتين، يقرأ في الأوّلى الحَمد وسورة انّا فتحنا، وفي الثّانية الحمد وماشاء مِن السّور. الخامس: أن يَقول اذا طلع الفَجر (اللَّهُمَّ قَدْ حَضَرَ شَهْرُ رَمَضانَ، وَقَدِ افْتَرَضْتَ عَلَيْنا صِيامَهُ، وَأَنْزَلْتَ فِيْهِ القُرْآنَ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الهُدى وَالفُرْقانِ. اللَّهُمَّ أَعِنّا عَلى صِيامِهِ، وَتَقَبَّلْهُ مِنّا، وَتَسَلَّمْهُ مِنّا، وَسَلِّمْهُ لَنا فِي يُسْرٍ مِنْكَ وَعافِيَةٍ، إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ). السادس: أن يدعو بالدعاء الرابع والأَرْبعين مِن أدعية الصحيفة السجادية الكاملة إن لَمْ يدع بهِ ليلاً. السابع: عَن الإمام موسى الكاظم عليه السلام قالَ: أدع بهذا الدُّعاء في شَهر رَمَضان في اليَوم الأوّل من الشّهر وقالَ عليه السلام: (من دعا الله تعالى خلواً مِن شوائب الاغراض الفاسدة والرياء لَمْ تصبه في ذلِكَ العام فتنة ولا ضلالة ولا آفة يضّر دينه او بدنه، وصانه الله تعالى مِن شر مايحدث في ذلِكَ العام مِن البلايا) والدعاء موجود في كتب الادعية.
وحذر الرسول محمد صلى الله عليه واله وسلم من ان زلل اللسان توصل الانسان الى النار. وافضل فترة للسيطرة على اللسان هي شهر رمضان للاستمرار بتلك السيطرة على بقية اشهر السنة. وفي شهر رمضان يتطلب غض البصر "يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ" وعدم التنازع والتحاسد والغضب بل الجدال الحسن كما في الاية "ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" (النحل 125) و "وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ" (فصلت 34). والمؤمن لا يحسد بل يغبط والغيبة من العادات المنبوذة "وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ" (الحجرات 12) والغضب والسب وسماع الكلام الكريه حتى مع العائلة غير جائز للمؤمن والمؤمنة وخاصة خلال الصيام.
و خلال شهر رمضان التعود بعدم مجالسة اهل الشر واجتناب قول الزور "وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّور" (الحج 30) والخصومة "وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ" (الانفال 46) وسوء الظن "إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ" (الحجرات 12) والنميمة "وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ" (القلم 10-11) فعليك بظاهر الامور ولا تظن غير ذلك "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ" (الحجرات 12).
والذي يريد ان تكون نفسه متوجهة لذكر الله في الصلاة ومنها في شهر رمضان خاصة عليه ان يجلس في مصلاته لفترة قبل الدخول في الصلاة. ومن باب التقوى الصلاة بوقتها "إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا" (النساء 103) فالموعد مع الله تعالى اهم من موعد اللقاء مع صديق فاللقاء مع الصديق يكون وعدا مضبوطا لذلك فالصلاة بوقت الفضيلة هو الموعد المضبوط.
عن فَاطِمَةَ الزهراء عليها السلام قَالَتْ :(مَا يَصْنَعُ الصَّائِمُ بِصِيَامِهِ إِذَا لَمْ يَصُنْ لِسَانَهُ وَ سَمْعَهُ وَ بَصَرَهُ وَ جَوَارِحَهُ). و عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السَّلام (إِذَا صُمْتَ فَلْيَصُمْ سَمْعُكَ وَ بَصَرُكَ مِنَ الْحَرَامِ وَ الْقَبِيحِ ، وَ دَعِ الْمِرَاءَ وَ أَذَى الْخَادِمِ ، وَ لْيَكُنْ عَلَيْكَ وَقَارُ الصِّيَامِ ، وَ لَا تَجْعَلْ يَوْمَ صَوْمِكَ كَيَوْمِ فِطْرِكَ).
والكتب السماوية نزلت في شهر رمضان منها القران في 23 "إِنَّآ أَنزَلْنَٰهُ فِى لَيْلَةٍۢ مُّبَٰرَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ" (الدخان 3)، وصحف ابراهيم في الاول والزبور في 17 "صُحُفِ إِبْرَٰهِيمَ وَمُوسَىٰ" (الاعلى 19)، والتوراة في السادس والانجيل في 13 "نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ" (ال عمران 3).
https://telegram.me/buratha