الدكتور فاضل حسن شريف
عن المجتمع الانساني في القرآن الكريم للشهيد السيد محمد باقر الحكيم قدس سره: قال الله تعالى "قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ" (البقرة 38) الإنـسان والمجتمع الإنساني هدف أساسي في القرآن الكريم لما حظي به الكائن البشري مـن كـرامة عـند الله، ومكانة في الكون، وقدرة على الخلافة. وسور القرآن الكريم تتناول جوانب شتى مما يـرتبط بالإنسان والمجموعة البشرية في إطار عقائدي تارة، واجتماعي وتاريخي وأخلاقي تارة أخرى. والأسـتاذ الباحث تناول في الحـلقتين السـابقتين مباحث تمهيدية ودخل في موضوع الاستخلاف وفصّل القول في هذه الحلقة في نظرية خلافة الإنسان على ظهر الأرض. نظرية الاستخلاف: بعد أن تعرفنا على آراء العلماء المختلفة تجاه الأمور المهمة التي جاءت في هذا المقطع القرآني، لابد لنا من معرفة الجانب الثالث، وهو الصورة الكاملة للآيات الكريمة التي وردت في هذا المقطع القرآني، لنستخلص نظرية استخلاف آدم منها. صورتان لهذه النظرية: وهنا توجد عندنا صورتان بينهما كـثير مـن وجوه الشبه: تصور الشيخ محمد عبده.
جاء في كتاب تفسير سورة الحمد للسيد محمد باقر الحكيم قدس سره: والتفسير على قسمين بلحاظ الشئ المفسر، وهما: أولا تفسير اللفظ: ويراد به بيان معنى اللفظ لغة. ثانيا - تفسير المعنى: ويراد به تحديد مصداقه الخارجي الذي ينطبق عليه. فنحن نقرأ في القرآن الكريم مثلا كلمات تصف الله سبحانه وتعالى بالحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والكلام كقوله تعالى: "أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ" (البقرة 75). ونواجه بالنسبة إلى هذه الكلمات وأمثالها بحثين، هما: الأول: البحث في مفاهيم هذه الكلمات من الناحية اللغوية وهذا هو التفسير اللفظي. الثاني: البحث في تعيين مصاديق هذه المفاهيم. فبالنسبة إلى الله تعالى، كيف يسمع؟ وبأي شئ؟ وكيف يعلم؟ و...، وبالنسبة لأهل البيت، من هم هؤلاء؟ وهل المصداق هو زوجات النبي صلى الله عليه وآله؟ أم الخمسة محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام؟ وهذا هو تفسير المعنى الذي نقصده. أهمية التمييز بين التفسيرين: والتمييز بين تفسير اللفظ وتفسير المعنى مهم جدا لحل التناقض الظاهري الذي قد يبدو لبعض الأذهان بين حقيقتين في القرآن الكريم، وهما: الأولى: حقيقة كونه كتاب هداية لكل البشر، وما تفرضه هذه الحقيقة من كون القرآن ميسرا للفهم، متاحا لكل إنسان استخراج معانيه، لكي يستطيع أن يؤدي هدفه هذا. الثانية: هي وجود كثير من الموضوعات في القرآن لا يتيسر فهمها بسهولة، بل قد تستعصي على الذهن البشري ويتيه فيها لدقتها وابتعادها عن مجالات الحس والحياة الاعتيادية، هذه المواضع التي لم يكن بإمكان القرآن الكريم أن يتفادى الخوض فيها، لأنه كتاب دين يستهدف بصورة رئيسة ربط البشرية بالغيب وتنمية غريزة الإيمان لديها، ولا يتحقق ذلك إلا عن طريق طرح مثل هذه الموضوعات التي تنبه الإنسان إلى صلته بعالم أكبر من عالمه المنظور وإن كان غير قادر على الإحاطة بجميع أسراره وخصوصياته. وحل هذا التناقض الظاهري بين هاتين الحقيقتين يكون بالتمييز بين تفسير اللفظ وتفسير المعنى.
جاء في كتاب علوم القرآن للسيد محمد باقر الحكيم: ولقد كان النبي يتحرق شوقا إلى تحويل القبلة إلى الكعبة، وظل يقلب وجهه في السماء ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا، لعل الوحي ينزل عليه بتحويل القبلة إلى البيت الحرام، ولكن رب القرآن لم ينزل في هذا التحويل قرآنا رغم تلهف رسوله الكريم إليه، الا بعد قرابة عام ونصف العام: "قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ" (البقرة 144). فلماذا لم يسعف النبي بوحي عاجل يحقق ما يصبو إليه ويتمناه؟ إن الوحي ينزل ويكثر على محمد صلى الله عليه وآله حين يشاء رب محمد صلى الله عليه وآله ويفتر إذا شاء له رب محمد صلى الله عليه وآله الانقطاع، فما تنفع التعاويذ والأسجاع، ولا تقدم عواطف محمد صلى الله عليه وآله ولا تؤخر في أمر السماء.
جاء في كتاب علوم القرآن للسيد محمد باقر الحكيم: ولمعرفة أسباب النزول أثر كبير في فهم الآية وتعرف اسرار التعبير فيها، لان النص القرآني المرتبط بسبب معين للنزول تجئ صياغته وطريقة التعبير فيه وفقا لما يقتضيه ذلك السبب، فما لم يعرف ويحدد قد تبقى أسرار الصياغة والتعبير غامضة عنه، ومثال ذلك قوله تعالى: "إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ" (البقرة 158) فان الآية ركزت على نفي الاثم والحرمة عن السعي بين الصفا والمروة دون أن تصرح بوجوب ذلك، فلماذا اكتفت بنفي الحرمة دون أن تعلن وجوب السعي؟ إن الجواب عن هذا السؤال يمكن معرفته عن طريق ما ورد في سبب نزول الآية من أن بعض الصحابة تأثموا من السعي بين الصفا والمروة، لأنه من عمل الجاهلية فنزلت الآية الكريمة، فهي اذن بصدد نفي هذه الفكرة من أذهان الصحابة والاعلان عن أن الصفا والمروة من شعائر الله، وليس السعي بينهما من مختلقات الجاهلية ومفترياتها. وقد أدى الجهل بمعرفة سبب النزول في هذه الآية عند بعضهم إلى فهم خاطئ في تفسيرها. إذ اعتبر اتجاه الآية نحو نفي الاثم بدلا من التصريح بالوجوب دليلا على أن السعي ليس واجبا وانما هو أمر سائغ، إذ لو كان واجبا لكان الأجدر بالآية ان تعلن وجوبه بدلا من مجرد نفي الاثم، ولو كان هذا يعلم سبب النزول والهدف المباشر الذي نزلت الآية لتحقيقه، وهو إزالة فكرة التأثم من أذهان الصحابة لعرف السر في طريقة التعبير، والسبب في اتجاه الآية نحو نفي الاثم والتركيز على ذلك.
https://telegram.me/buratha