الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في كتاب تفسير سورة الحمد للسيد محمد باقر الحكيم قدس سره: والتفسير على قسمين بلحاظ الشئ المفسر، وهما: أولا تفسير اللفظ: ويراد به بيان معنى اللفظ لغة. ثانيا - تفسير المعنى: ويراد به تحديد مصداقه الخارجي الذي ينطبق عليه. فنحن نقرأ في القرآن الكريم مثلا كلمات تصف الله سبحانه وتعالى بالحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والكلام كقوله تعالى: "الله لا إله إلا هو الحي القيوم" (البقرة 255)، و "أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ" (البقرة 75). أو كلفظة أهل البيت في قوله تعالى: "إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا" (الاحزاب 33). ونواجه بالنسبة إلى هذه الكلمات وأمثالها بحثين، هما:
الأول: البحث في مفاهيم هذه الكلمات من الناحية اللغوية وهذا هو التفسير اللفظي. الثاني: البحث في تعيين مصاديق هذه المفاهيم. فبالنسبة إلى الله تعالى، كيف يسمع؟ وبأي شئ؟ وكيف يعلم؟ وبالنسبة لأهل البيت، من هم هؤلاء؟ وهل المصداق هو زوجات النبي صلى الله عليه وآله؟ أم الخمسة محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام؟ وهذا هو تفسير المعنى الذي نقصده. أهمية التمييز بين التفسيرين: والتمييز بين تفسير اللفظ وتفسير المعنى مهم جدا لحل التناقض الظاهري الذي قد يبدو لبعض الأذهان بين حقيقتين في القرآن الكريم، وهما: الأولى: حقيقة كونه كتاب هداية لكل البشر، وما تفرضه هذه الحقيقة من كون القرآن ميسرا للفهم، متاحا لكل إنسان استخراج معانيه، لكي يستطيع أن يؤدي هدفه هذا.
الثانية: هي وجود كثير من الموضوعات في القرآن لا يتيسر فهمها بسهولة، بل قد تستعصي على الذهن البشري ويتيه فيها لدقتها وابتعادها عن مجالات الحس والحياة الاعتيادية، هذه المواضع التي لم يكن بإمكان القرآن الكريم أن يتفادى الخوض فيها، لأنه كتاب دين يستهدف بصورة رئيسة ربط البشرية بالغيب وتنمية غريزة الإيمان لديها، ولا يتحقق ذلك إلا عن طريق طرح مثل هذه الموضوعات التي تنبه الإنسان إلى صلته بعالم أكبر من عالمه المنظور وإن كان غير قادر على الإحاطة بجميع أسراره وخصوصياته. وحل هذا التناقض الظاهري بين هاتين الحقيقتين يكون بالتمييز بين تفسير اللفظ وتفسير المعنى.
جاء في كتاب علوم القرآن للسيد محمد باقر الحكيم: وبيان أغراض آخري ترتبط بالتربية الاسلامية وجوانبها المتعددة، فقد استهدف القرآن بشكل رئيس تربية الانسان على الايمان بالغيب وشمول القدرة الإلهية لكل الأشياء، كالقصص التي تذكر الخوارق والمعاجز كقصة خلق آدم، ومولد عيسى، وقصة إبراهيم مع الطير الذي آب إليه بعد أن جعل على كل جبل جزءا منه، وقصة "أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا" (البقرة 259) وإحياء الله له بعد موته مائة عام. كما استهدف تربية الانسان على فعل الخير والأعمال الصالحة وتجنبه الشر والفساد، وذلك ببيان العواقب المترتبة على هذه الأفعال، كقصة النبي آدم وقصة صاحب الجنتين، وقصص بني إسرائيل بعد عصيانهم، وقصة سد مأرب، وقصة أصحاب الأخدود.
https://telegram.me/buratha