الدكتور فاضل حسن شريف
البيت العتيق هو احد اسماء الكعبة الشريفة او البيت الحرام قال الله سبحانه "جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ" (المائدة 97). وسمي بالعتيق لانه اول واقدم بيت وضع للناس لممارسة عبادة الله تبارك وتعالى وهو مبارك والداخل له فله الآمان "إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ" (ال عمران 96-97). سأل أبو ذر رضوان الله عليه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: يا رسول الله أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الأَرْضِ أَوَّلُ؟ قَالَ: (الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ) قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: (الْمَسْجِدُ الأَقْصَى) قُلْتُ: كَمْ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: (أَرْبَعُونَ سَنَةً).
وورد ان تسميته جاءت بسبب عتقه من الجبارين فهو مكان للذل امام الله تعالى لانه هو الجبار المطلوب التذلل له وتعظيمه لا الى غيره. ومن الامثلة على ذلك ان الله سبحانه هو الذي حفظ البيت العتيق من اصحاب الفيل المتجبرين كما جاء في سورة الفيل "أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ (5)" (الفيل 1-5). وورد عن سعيد بن جبير أن السبب وراء تسمية بيت الله بالبيت العتيق وقاية الله له عندما حل الطوفان بالأرض في زمن نبي الله نوح عليه السلام. وجاء ايضا ان الله يعتق رقبة كل من يزوره من النار. وجاء في الحديث الشريف (إنما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله). والزائر للبيت العتيق يهوي الرجوع له مرة اخرى كما قال الله عز وجل "فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ" (ابراهيم 37).
يقع البيت العتيق في مكة المكرمة وذلك لمن لا يعرفه من غير المسلمين قال الله تبارك وتعالى "إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا" (ال عمران 96). وحج البيت العتيق فرض على كل مسلم من استطاع اليه سبيلا "وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا" (ال عمران 97)، وهو المكان الذي امر الله سبحانه المسلمين الطواف حوله "وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ" (الحج 26). وورد ان اول ما طاف حول البيت العتيق الملائكة وهم المؤسسين للبيت العتيق قبل آدم عليه السلام الذي طاف بعدهم. وهنالك رواية اخرى تقول ان اول من طاف بالبيت العتيق هو آدم عليه السلام لانه هو الباني الاول للبيت العتيق حسب الرواية. وان جبريل عليه السلام هو الذي طلب من آدم بناءه بامر من الله ثم الطواف حوله. والقرآن الكريم بين ان الله تعالى اوحى الى نبيه ابراهيم عليه السلام برفع قواعد البيت العتيق مع ابنه اسماعيل عليه السلام "وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ" (البقرة 127). وكان ابراهيم عليه السلام يقف على حجر ليضع الحجارة فوق بعضها عند بناء البيت وسمي الحجر بمقام ابراهيم "فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ" (ال عمران 97). وامر الله نبيه ابراهيم عليه السلام بعد بنائه البيت ان يطوف سبعا حول البيت العتيق فطاف ابراهيم واسماعيل عليهما السلام حول البيت وهما يدعوان الله "رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ" (البقرة 128-129).
يخلط الناس بين البيت العتيق او الكعبة في الارض والبيت المعمور او شبيه كعبة الارض في السماء يطوف حوله الملائكة. قال الله تعالى "وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ" (الطور 4). واحيانا يسمى البيت العتيق بالبيت المعمور في السماء تيمنا به لكن الفرق ان البيت العتيق يطوف حوله البشر ويعمروه بينما يطوف ويعمر البيت المعمور الملائكة. ويقع البيت المعمور في السماء السابعة بمحاذاة كعبة الارض.
وجاءت الروايات ان النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم رأى ابو الانبياء ابراهيم عليه السلام خلال معراجه عند البيت المعمور. جاء في الحديث الشريف أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال يوما لأصحابه (هَلْ تَدْرُونَ ما البَيْتُ المَعْمُورُ) قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: (فإنّهُ مَسْجِدٌ فِي السّماءِ تَحْتَهُ الكَعْبَةُ لَوْ خَرّ لخَرّ عَلَيْها، أوْ عَلَيْهِ، يُصلّي فِيهِ كُلّ يَوْمٍ سَبْعُونَ ألْفَ مَلكٍ إذَا خَرَجُوا مِنْهُ لَمْ يَعُودُوا آخِرَ ما عَلَيْهِمْ). وعن الامام علي بن أبي طالب عليه السلام، أخرج ابن جرير من طريق خالد بن عرعرة: (أن رجلاً قال لعلي عليه السلام: ما البيت المعمور؟ قال: بيت في السماء بحيال البيت، حرمة هذا في السماء كحرمة هذا في الأرض، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك، ولا يعودون إليه).
https://telegram.me/buratha