الدكتور فاضل حسن شريف
قال الله سبحانه وتعالى "الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا" (المائدة 3) اشار الشيخ جلال الدين الصغير حول هذه الاية المباركة قائلا عن الصعيد الطائفي من الطبيعي أن نلمس أول التداعيات وهي تضرب بأطنابها على كاهل المعترك الطائفي، حيث سنجد تطبيقاتها العملية في أرجاء سقيفة بني ساعدة، وإسقاطاتها السياسية والفكرية والاجتماعية وغيرها المتأتية بعدها، والتي رسمت أولى إبهاماتها على باب الصديقة الزهراء صلوات الله عليها وجسدها الشريف لتصنع معها واحدة من أقذر الجرائم السياسية والدينية والتي انتهت بصياغة فصول المأساة المفجعة لقديسة آل محمد صلوات الله عليها، ومن ثم لتجر الولايات تلو الولايات على دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فمع تغييب النص السماوي الذي أطلقت شرارته العلنية يوم نادى داعية السقيفة بوجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في رزية يوم الخميس عن النبي ليهجر حتى سفر صباح التقييم البشري يوم أقفلت السماء أبواب وحيها المقدس وهيمن الظلام حينما اغتيلت آمال أسماء يوم الاثنين، ليعرب عن إخضاع الأمور لواقعيات التسلط الاجتماعي، فما بدا مقدسا في نظر السماء والذي عبر عنه القرآن في سورة المائدة آية 3، وكرره الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بقوله الشريف المتواتر باتفاق جميع أهل الإسلام: إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا. لقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (من كنت مولاه فعلي مولاه)، فهل أن معناه من كنت أحبه فعلي يحبه، ومن كنت ناصره فعلي ناصره، كما يدعي البعض، ان معنى المولى ليس هدفه الامامة. والعجيب أن فضل الله انساق مع تداعيات هذه الفكرة وكاد أن يصل إلى ما لم يصل إليه أحد المسلمين حينما ناقش آية: "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ" (البقرة 62) حيث قال شارحا: المعنى في هذه الآية واضح، فهي تؤكد أن النجاح في الآخرة تناله كل هذه الفئات الدينية المختلفة في تفكيرها وتصورها الديني للعقيدة والحياة، بشرط واحد وهو التقاؤها على قاعدة الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح. ورغم أنه حاول أن يخفف من حدة هذه اللهجة، ويتيح المجال له بالتنصل من ربقة موضوع كهذا كعادته في هذه المواقف، غير أنه في واقع الحال حاول أن يخفف جهة الفارق بين المسلمين وغيره حيث قال وربما يخطر في البال أن الإيمان بالرسول يختلف عن الإيمان بالله في مدلوله الإيماني، وفي طبيعة موقعه في العقيدة، فإن الإيمان بالله غاية في نفسه باعتبار أن معرفته وعبادته من اسس العقيدة في ذاتها، أما الإيمان بالرسول فقد لوحظ من حيث هو طريق للارتباط بالرسالة والعمل الصالح، ولذلك لم يؤكد القرآن عليه في كل دعوات الإيمان إلا في هذا النطاق، وعلى ضوء ذلك فقد يكون إغفاله في مجال الحديث عن الأساس في نجاة الإنسان في الآخرة، ومن جهة الاكتفاء عنه بكلمة الإيمان بالله والعمل الصالح الذي هو كناية عن السير في خط الله من العبودية له والخضوع لشرائعه وأحكامه الثابتة برسالات الأنبياء، وقد تتضح لفكرة بشكل أعمق إذا لاحظنا أن الإسلام لم يعتبر وجود اختلاف بين الرسالات إلا من خلال بعض الجوانب التفصيلية مما يجعل القضايا الأساسية واحدة في الجميع، ويكون الانسجام مع واحدة منها انسجام مع الكل، كما يكون الانحراف عن الخط في إحداها انحرافا عن الخط في الباقي، وبذلك تعتبر النبوات منطلقة من قاعدة واحدة كما يوحي به قوله تعالى: "إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ" (ال عمران 19) مما يجعل كل صفة طارئة تسقط وتتضاءل أمام القاعدة الصلبة.
قال الشيخ جلال الدين الصغير نحن نختلف مع المسيحيين في قدسية دينهم، ومع اليهود في قداسة معتقدهم، ويختلفون معنا في قداسة ديننا ونبينا وكتابنا وقبلتنا وكل شئ فينا "ولَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ" (البقرة 120) فهل سيعني ذلك أن نتنازل عن قداسة مقدساتنا لمجرد أن هؤلاء يثيروا نقاشا حول ذلك؟.
قال الشيخ جلال الدين الصغير: يلحظ محمد حسين فضل الله عليه خروج بأفكار لم يتجرأ أحد من المسلمين على مجرد التحدث بها، حيث يرى أن الثالوث المسيحي لا يمثل شركا بالله، رغم أن الجليل الأعلى تباركت أسماءه يتحدث بصراحة عن كفر من يقول بالثالوث: "لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ" (المائدة 73)، و "وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ" (التوبة 30). وحيث يعتقد أن الخلافات بيننا وبين الأديان الأخرى هي عقدنا وذاتياتنا رغم أن القرآن الكريم كان واضحا في قوله: "لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ" (المائدة 82)، و "لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ " (المائدة 17). فالكل حسب نظرية فضل الله حينما يعلم فإنما يعمل بناء على ما يعتقده مقدسا، مما يجعل المعتقد نسبيا، وما دام معتقدي عن الإيمان ورجالاته وأعداءه غدا نسبيا، فلا معنى لخصيصة التولي والتبرؤ لأنهم مصيبون فيما يعتقدونه، وإن أخطأوا إصابة الواقع، ولذا لا يجوز لي رجمهم ولعنهم إن اعتقدوا خلاف المعتقد، فلربما كان معاوية مثلا محقا في عقيدته في وقفته بوجه الإمام أمير المؤمنين عليهم السلام، وإن أخطأ. ومن هذه النظرية ينهل القائلون بحاكمية بيعة الأمة على ولاية الإمام، التي طرحت مؤخرا من بعضهم، ويمكن تلمس آثارها من قول فضل الله عن بيعة الغدير بأن النبي: أراد للتجربة أن تتحرك، فإن لم تعط الأمة بيعتها للإمام، فلا ولاية له عليها من الناحية الشرعية.
https://telegram.me/buratha