الصفحة الإسلامية

اشارات الشيخ جلال الدين الصغير عن الامامة في القرآن الكريم (ح 7)


الدكتور فاضل حسن شريف

قال الشيخ جلال الدين الصغير: ولهذا نقول بأن من المفروض أن نجد في القرآن دلالة واضحة على وجود إدامة لهذا الخط الذي سار عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا سيما وأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لم يستطع أن يحقق المهام التي وضعها نصب عينيه، فهذه المدينة التي كانت معقلا للرسول صلى الله عليه وآله وسلم كانت تحوي من أصناف المنافقين وأعداء الرسالة الصورة التي تصور فيه سورة التوبة وهي السورة التي نزلت في جملة أواخر السور القرآنية بعضا من أصنافهم كما في قوله تعالى "وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ" (التوبة 49). وكذا قوله: "وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ" (التوبة 58). وكذا قوله: "وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ" (التوبة 61). وكذا قوله: "وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ" (التوبة 75-76). وقوله أضا: "فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ" (التوبة 81). وعليه فمن الحري بالقرآن الذي يخطط لهداية ربانية شاملة تمتد لآخر الزمن، أن يبين لنا موقفا واضحا في مسائل الحكم والسياسية وحسم مسألة العلاقة الجدلية بين الشرعية والسلطة والتي تعد واحدة من أكثر المسائل إثارة للحروب والفتن، لهذا لا بد من يكون تشخيص المرجعية السياسية التي يتحدد عبرها إطار الشرعية بشكل حاسم ودقيق. يمكن القول بأن غالبية المشاكل السياسية التي عانى منها المجتمع الإسلامي بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ترتبط ارتباطا لصيقا بهذه المشكلة. فإنها لم تنظر للإجماع الاجتماعي في بيعة أمير المؤمنين عليه السلام. أن المصداق الاجتماعي لهذه الولاية ينبغي أن يشخصه صاحب الولاية نفسه وحينما رأيناه شخص ذلك لم يجعل للمجتمع أي نصيب من ذلك كما في قوله تعالى "إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ" (المائدة 55) ونفس هذا الأمر سنلحظ بقاءه لو أخذنا تعلق الشرعية بمفهوم الطاعة، حيث قيد الله تعالى الطاعة بدقة ضمن ذات الدوائر التي وجدناها في الآية السالفة كما في قوله: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ" (النساء 59). ولو راجعنا الشيعة لمفهوم الحاكمية "إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ" (الانعام 57) أو قوله تعالى: "أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ" (المائدة 50) فسترجعنا مرجعية الحكم الإلهي إلى نفس المصداق الاجتماعي الذي شخصته السماء من قبل كما في قوله تعالى: "فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا" (النساء 65) حيث قرن الحاكمية بالإيمان مما يبقي مسألة المرجعية للشرعية مرتبطة كليا بالعبد الديني وحينما يكون الأمر بهذا المستوى فمن الخطل البحث الشرعية بعيدا عن رؤى السماء.

قال الشيخ جلال الدين الصغير: الإمامة الشاهدة: الملاحظ في شأن الإمامتين الخاصة بالتشريع والسياسة أنهما تشملان مهمة الانذار والتبشير التي جعلت من ضمن المهام الجوهرية لعملية الهداية الربانية، ومن يلاحظ حديث القرآن عن ذلك يجد أنه قرن مع هاتين المهمتين مهمة ثالثة حينما عبر بقوله تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا" (الاحزاب 45). وكذا قوله: "إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا" (الفتح 8) وحيث رأينا توافق إمامتي التشريع والسياسة مع مهمتي الانذار والتبشير فهل سنعثر على شاهد قرآني يكمل عملية التوافق هذه ويمدها إلى الإمامة الشاهدة؟. فلو رجعنا للغايات الإلهية التي تقف وراء الشهادة والتي تشير إليها الآية القرنية الكريمة: "وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ" (الاعراف 172) لوجدنا أن طبيعة إلقاء الحجة الربانية كاملة على بني آدم لا تتوقف عند قوم دون آخرين، وإنما يجب سريانها على جميع الأقوام والأمم، وذلك لأن هذه الغاية رافقت البنية التكوينية لبني آدم، ولذا فإن من الطبيعي بمكان أن يتلازم بقاء الجنس البشري مع بقاء هذه الحجة، وإن انتفاء أحدهما يستلزم انتفاء الثاني لاستحالة أن يقال أن الإرادة الربانية إرادة عابثة في مخلوقاتها. وهذا ما يلتقي أيضا مع جملة من الآيات القرآنية التي أشارت إلى وجود شهادات سابقة لحياة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كما في الآية الكريمة: "فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا" (النساء 41) وكذا في قوله تعالى: "وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ" (النحل 89) والتي تعني استمرار دور شاهدية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من خلال شهادة الأئمة عليهم السلام على مجتمعاتهم، ومن دون ذلك فإن الحديث عن استمرارية دور الرسول في الشهادة يغدو فارغا من محتواه، وذلك لاستلزامها لمواصفات لا يمكن أن توجد عند أحد غيرهم. أن بعض الآيات تتحدث عن تمكن الشاهد من الشهادة على بينات الله كما في قوله تعالى: "أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ" (هود 17) والشهد لا بد وأن يكون عادلا في الإدلاء بشهادته بحيث أنه لا يكتمها مهما كانت الظروف، فلا بد وأن يكون معصوما. ويتأكد كل ذلك من خلال التأمل الدقيق في مرامي الآية الكريمة التي تتحدث عن مواصفات الشاهد حيث قال جل وعلا: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ" (الحج 77-78). أن زمن الشهادة العامة لا يسمع لكل أحد بالقيامة بها كما في قوله تعالى: "يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا" (النبأ 38) وقول الصواب المطلق كما ترى يستلزم من الشخص أن يكون بمؤهلات عالية عند الله، بحيث يدعه يتكلم في يوم وصف بأوصاف رهيبة من جملتها ما وصفته الآية الكريمة: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيد" (الحج 1-2).

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك