الدكتور فاضل حسن شريف
قال الشيخ جلال الدين الصغير: الاهلية إن لم تلتزم بوجوب تمتع الشاهد بمواصفات استثنائية خاصة، تصطدم بإمكانية الشهادة على الجوارح، وتصطدم أيضا بالشهادة على عوالم الجن، وهؤلاء يدخلون في مقتضياتها، لتحقق الطلب الإلهي منهم بالعبادة، مما يستلزم الثواب والعقاب، ومعهما يصبح وجود الشاهد عليهم واجبا، ولكونهم أمم أمثالكم، وكذا الشهادة على عالم الملائكة بما فيهم ملائكة الوحي، فضلا عن الملائكة الكاتبين، لأن الملائكة أمة من الأمم، وهذه تدخل في مفاد قوله تعالى "فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ شَهِيدًا" (النساء 41) ومن خلال كل ذلك نكون قد تحققنا من ضرورية امتداد دور الشهادة من النبوة إلى الإمامة، ورأينا دور الشهادة إلى الإمام أحد الشواهد على عصمته، وما نحتاج بعد ذلك وجود النص الذي يشخص الدور ويشخص الشاهد. والآية الكريمة: "وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ" (الرعد 43) كما نعتقد أنها قد قدمت جميع الأجوبة المطلوبة في هذا المجال، فهي تشخص أولا ديمومة وجود الشاهد لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لكونها قد أطلقت الحديث عبر فعل المضارعة. وقد أبانت آية: "الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ" (النمل 40) الإمكانية الفلسفية والعقلية على أن ينال الإنسان كل علم الكتاب، ولكن بعد التكامل المعنوي والروحي، ولهذا نعرفك أن من السخف بمكان أن يولى هذا الوصف المؤطر: بالذي عنده علم الكتاب إلى من لم تتكامل عنده جوانب الشخصية بالصورة التي توصله إلى دائرة العصمة المطلقة. وهذا وقد أجمعت رواية أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم على اختصاص الآية الكريمة بهم كما في الصحيحة التي يرويها سعد بن عبد الله، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن محمد بن عمرو، عن عبد الله بن الوليد السمان قال: قال الباقر عليه السلام: يا عبد الله ما تقول في علي وموسى وعيسى؟ قلت: ما عسى أن أقول فيهم؟ قالك هو والله أعلم منهما، ثم قال: ألستم تقولون: إن لعلي ما لرسول الله من العلم؟ قلت: نعم، والناس ينكرون. قال: فخاصمهم فيه بقوله تعالى لموسى: "وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ" (الاعراف 145) فعلمنا أنه لم يكتب له الشئ كله وقال لعيسى: "وَلأبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ" (الزخرف 63) فعلمنا أنه لم يبين الأمر كله. وقال لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم "وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ" (النحل 89) قال: فسأل عن قوله: "قُلْ كَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ" (الرعد 43) قال: والله إيانا عنى، وعلي أولنا وأفضلنا وخيرنا بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
قال الشيخ جلال الدين الصغير: منظومة الأحاديث المتواترة لدى الطرفين من المسلمين والمتعلقة بالخلق النوري لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعترته الأطهار عليهم السلام قبل أن تخلق السماوات والأرض. وهو نفس السر الذي جعل الملائكة بعد حالة الاعتراض الأولى التي نلمسها في قوله تعالى على لسانهم "قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ" (البقرة 30) أن يستلموا مباشرة بعد أن يعرفوا أن ثمة وجود غير الوجود التكوني المتمثلة في صورة آدم عليه السلام، وهو المتمثل بما بعد أخبار آدم الأسماء، فذا قال لهم الله: "إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ" (البقرة 30) شرع في إزاحة المجهول الذي لم تلمه حتى الملائكة "وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ" (البقرة 31) وبمجرد رؤيتهم لما عرض عليهم من أسماء استسلموا فورا وعبروا عن هذا الاستسلام بقولهم "قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ " (البقرة 32). ولهذا حينما تحملوا رؤية ما عرض عليهم كشف لهم ما خفي عليهم "قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ ۖ فَلَمَّا أَنبَأَهُم بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ" (البقرة 33). وهذا ما يقودنا ضمن هذه العجالة إلى استخلاص جملة من الحقائق: الأول: تفاهة وجهل من قال أن هذه الأسماء هي بعض ما خلق الله في هذا العالم كالجبال والأنهار أو أنها كانت أسماء النباتات وبعض المأكولات، وأو غير ذلك، فما كان لعلم الملائكة أن بغيب عن ذلك فهم الواسطة في إدارة الخق لهذه الأمور، بينما نلحظ أن هذه الأسماء كانت مخلوقة قبل خلق نفس الملائكة، مما يعني أنها مخلوقة قبل خلق الخلق أجمعين. الثاني: إن هذه الأسماء أسمى من الملائكة منزلة ورفعة، ويؤكدها الحديث المتواتر لدى الطرفين من قول جبرئيل عليه السلام في حديث المعراج: تقدم يا محمد فلو دنوت أنملة لاحترقت. الثالث: يؤكد حقيقة الخلق النوري قبل خلق السماوات والأرض لما ورد لدى الطرفين وأجمع عليه حديث أهل البيت عليهم السلام بأنهم المعصومين الأربع عشر صلوات الله عليهم أجمعين.
https://telegram.me/buratha