الدكتور فاضل حسن شريف
قال الشيخ جلال الدين الصغير كما جاء في كتابه الولاية التكوينية الحق الطبيعي للمعصوم: ويا ليت أن أمر نبش القديم اقترن بقوة دليل أو بحجة بليغة، فلسنا من أتباع القديم لأنه قديم، ولسنا كما يدعي البعض: بأننا في بعض أوضاعنا: "إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ" (الزخرف 22)، ولسنا كما يدعي بأنه لا توجد في مذهبنا أية حرية لمناقشة قضايانا، ولسنا كما ولكننا أصحاب دين، وهذا الدين نشأ بعيدا عنا زمنيا، وما هو مطلوب منا أبدا: أن نلتزم بهذا الدين كما جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفصله الأئمة عليهم السلام، ولهذا من يريد أن يبلغنا بأننا لم نفهم ديننا وأننا مع تقادم الزمان سرنا بعيدا عنه، إن من واجبنا الإصغاء ريثما نسمع البنية الدليلية التي يقدمها من أجل تعزيز فكرته هذه، فإن كانت حجيتها بليغة، فمن واجبنا تصحيح ما لبس علينا من فهم الدين، فلسنا ندعي العصمة، أما أن يأتيك من يحدثك بجملة من التشكيكات كيفما اتفق اعتمادا على بعض الحيثيات الساذجة في فهم الأمور، رغبة منه في التغيير والتجديد، ومخالفا في ذلك فكر الأئمة عليهم السلام وإجماعيات تفسيرات الآلاف من العلماء عبر كل هذا الزمن، فعند ذلك لن ينتظر من علماء الأمة بعد نصحه وإرشاده من أن يسموه بسمة الانحراف والضلال إن لم يرتدع كائنا من كان هذا الرجل، فتلكم جماعات الخوارج قاتلت مع أمير المؤمنين عليه السلام حربيه في الجمل وصفين، ولكن ذلك لم يمنع من أن تعد خارجة عن العقيدة والدين بسبب انحراف موقفها العقائدي، فنحن لا نملك بطاقة شخصية تمنح مع الولادة في الانتساب إلى عقيدتنا، وإنما هويتنا بعقيدتنا فمن شذ عن هذه العقيدة خلع عن نفسه صفة الانتساب إليها. إننا أعداء الخطأ أينما كان، وقد حبانا الله بدينه ودين رسوله وآله الميامين لكي نسير بعيدا عن الخطأ، ولهذا فإننا إن وجدنا أفكارنا متطابقة مع ما تعلمناه من هذا الدين اعتبرناه منهاجا فكريا وروحيا وسلوكيا نتعبد به، وإن وجدنا يتنكر لأي شئ من ذلك تنكرنا له كائنا من كان قائله ومهما مت إلينا بصلة: "لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" (المجادلة 22).
قال الله تبارك وتعالى "إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ" (المائدة 55) قال الشيخ جلال الدين الصغير: نستفيد من معاجم اللغة وجود عدة معان تنطوي عليها كلمة الولي، وهي بشكل مجمل تدلنا على المعاني التالية: الله الولي: أي المتولي لأمور العالم والخلائق القائم بها، والوالي، مالك الأشياء جميعها المتصرف فيها. ونقل عن ابن الأثير قوله: أن الولاية تشعر بالتدبير والقدرة والفعل. والولي: من يلي أمر الشئ ويقوم على كفايته. ورجل أولى من رجل بأمر أجدر منه وأحق به وأحرى. والولي والمولى: الوريث. والولاية: السلطة على الشئ، وفلان ولي فلان أي تسلط عليه وتمكن منه تغلب عليه. والشئ يلي الشئ فهما متواليان: أي متعاقبان ومتتابعان، يشير أحدهما خلف الآخر يتبعه ويليه. والمولى: الدنو والقرب. الإرادة الإلهية المباشرة غير قابلة للاختراق كما عبر عن ذلك النص الشريف: "إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ" (يس 82) لذا فإن آلية الولاية هنا مستحيلة فلسفيا من خلال التسلط، ولكنها قابلة وممكنة من خلال التقرب من مصدر هذا المكون، واستحصال القدرة على ممارسة الولاية منه، وهو ما عبرت عنه نصوص كثيرة كما في قوله تعالى وهو يخاطب النبي عيسى عليه السلام: "وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي" (المائدة 110)، فهنا يشير النص الشريف إلى وجود قدرة لدى عيسى عليه السلام على ممارسة الولاية التكوينية، وهذه القدرة حسب ما يشير الآية السياق قدرة فعلية.
قال الله تبارك وتعالى "يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ" (الرحمن 33) يقول الشيخ جلال الدين الصغير: حيث يطرح القرآن علمية الاختراق الضخمة المفترضة هنا لقانون الجاذبية وهي هنا للتمثيل وليس للحصر على شكل إمكان كوني، وهذا الإمكان موضوع تحت تصرف الثقلين من الجن والإنس، ومعلوم أن هذه الإمكانية الممنوحة لهذين الثقلين، إنما منحت فلسبب تكويني مرتبط مرة بقابلية الظاهرة الكونية للاختراق، لأنها لو لم تكن تتميز بهذه القابلية لكانت علمية خرق أقطار السماوات والأرض عملية مستحيلة، ولهذا لم يكن القرآن ليتحدث عنها، وأخرى مرتبط بكونهما أعطوا سلفا نحوا من الولاية في أفعالهما، وهو نفس المبدأ الذي جعل خطاب العبادة متوجه إليهما فحسب، دون سائر المخلوقات، وفق ما أشارت إليه الآية الكريمة: "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ" (الذاريات 56)، وهذه الولاية في الوقت الذي مكنتهما من الاختيار ما بين العلل وموادها، هي نفسها التي تمنحهما القدرة على مضاعفة وتطوير هذا الاختيار، نتيجة القدرات التي يتيحها العقل الممنوح لهما في التلفيق المزج ما بين الأشياء. ولربما نستفيد من القرآن أن هذا الإمكان يمكن للإنسان أن يطاله في معظم الظاهر الكونية أو قل كلها، وذلك من خلال ما يتبدى لنا من قوله تعالى: "إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ" (الاحزاب 72)، إذ أن منطق الأمانة يفترض تسلط الإنسان على ما ائتمن عليه، وتمكنه منه، ولربما في هذه الآية نلمس دلالة أخرى وهي أن الإنسان بقدر ما يلتزم بمؤديات الأمانة فإن الإمكان الذي نتحدث عنه يصبح متاحا، والعكس بالعكس، ولربما نلمس في قوله تعالى: "إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ" (لقمان 34) إن ما خرج عن هذه المستثنيات يمكن أن يدخل في حيز العلم الممكن الحصول عليه، رغم وجود دلالات أخرى تشير إلى أن هذه المستثنيات يمكن أن يطالها عالم الإمكان إن شاء الله ذلك.
https://telegram.me/buratha