الدكتور فاضل حسن شريف
قال آية الله العظمى السيد محمد سعيد الحكيم قدس سره في كتابه فاجعة الطف: لو شكر العرب النعمة: نعم لو أن العرب شكروا نعمة الله عز وجل ولم يخرجوا بالسلطة عن موضعها الذي وضعها الله تعالى فيه، ووفوا بعهد الله سبحانه الذي أخذه عليهم، لأبقى الله جلّ شأنه عزهم فيهم، ولحملوا دعوة الله عز وجل للأمم، وانتشر الإسلام بحقه وحقيقته وعدله واستقامته وخيره وبركته، بعيداً عن الانحراف والاستغلال والمحسوبيات. ولعمّت لغة العرب الدني، لا لأنها لغة العرب، لتتحسس منها الشعوب الأخرى، بل لأنها لغة الدين العظيم والقرآن المجيد والسنة الشريفة، بما في ذلك الأدعية والزيارات الكثيرة. وبذلك تهمل الفوارق تدريج، وتموت العصبيات. ويكون للعرب شرف ذلك كله، ويكسبون احترام العالم ومودّته. لكنهم أخطأوا حظهم، وضيعوا نصيبهم، و "بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ" (ابراهيم 28). وإنا لله وإنا إليه راجعون. ولله أمر هو بالغه.
انهيار دولة آل أبي سفيان: وكيف كان فالذي لاريب فيه أنه لم يعهد لأحد من بعده بالخلافة. وبذلك انهارت دولة آل معاوية أو آل أبي سفيان تلك الدولة العظمى التي جهد معاوية بدهائه ومكره وجرائمه وموبقاته وقوة سلطانه في إرساء قواعدها وإحكام بنيانه. وبنى عليها آمالاً طويلة عريضة "كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ" (النور 39).
تنبؤ الصديقة فاطمة عليها السلام بما آلت إليه الأمور: وكأنه إلى ذلك وأمثاله مما حصل للمسلمين في مفاصل تاريخية كثيرة تنظر الصديقة فاطمة الزهراء صلوات الله عليه في قولها المتقدم في ختام خطبتها الصغيرة تعقيباً على انحراف مسار السلطة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أما لعمري لقد لقحت فنظرة ريثما تنتج، ثم احتلبوا ملأ القعب دماً عبيطاً وزعافاً مبيد. هنالك "يَخسَرُ المُبطِلُونَ" (الجاثية 27)، ويعرف البطالون غبّ ما أسس الأولون. ثم طيبوا عن دنياكم أنفس، وأطمئنوا للفتنة جأش، وأبشروا بسيف صارم، وسطوة معتد غاشم، وبهرج شامل، واستبداد من الظالمين، يدع فيئكم زهيد، وجمعكم حصيد).
الدفاع عن الظالمين يصب في صالح التشيع: وهم لا يدركون ـ بسبب هذه العقدة ـ أن هذا الدفاع والتبني لا ينفعان هؤلاء المجرمين، ولا يرفعان من شأنهم، ولا يضران الشيعة، بل يترتب عليهما أمران لهما أهميتهما في صالح الشيعة والتشيع: الأول: أن المدافعين والمتبنين لهؤلاء قد أسقطوا اعتبار أنفسهم، لأن هؤلاء الظلمة قد بلغوا من السقوط والجريمة بحيث يبرأ منهم من يحترم نفسه، ويشعر بكرامتها عليه. كما أن من يدافع عنهم أو يتبناهم يتلوث بجرائمهم، ويهوي للحضيض معهم. فهو كمن يحاول أن ينتشل شخصاً من مستنقع، فيهوي في ذلك المستنقع معه. الثاني: أن ذلك يكشف عن نصب هؤلاء النفر ـ من المتبنين والمدافعين ـ لأهل البيت صلوات الله عليهم، وأنه لا داعي لهم للدفاع والتبني لهذه النماذج المتميزة في الجريمة، والتي صارت في مزابل التاريخ، إلا بغض أهل البيت عليهم السلام. وكفى الشيعة فخراً أن يهوي خصومهم للحضيض، وأن تنكشف حقيقتهم، وأنهم في الواقع خصوم لأهل البيت صلوات الله عليهم ونواصب لهم. كما يكفي ذلك محفزاً للشيعة على التمسك بحقهم والاعتزاز به، وفي قوة بصيرتهم في أمرهم، وإصرارهم على حقهم. فهؤلاء بموقفهم من الشيعة نظير المشركين في موقفهم من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، حيث سلاه الله عز وجل بقوله: "قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللهِ يَجْحَدُونَ" (الانعام 23).
فاجعة الطف نقطة تحول مهمة في صالح التشيع: وقد ظهر من جميع ما سبق أن نهضة الإمام الحسين (صلوات الله عليه) التي ختمت بفاجعة الطف صارت نقطة تحول مهمة في مذهب التشيع، حيث صار لها أعظم الأثر في قوته، ورسوخ قدمه وبقائه، ووضوح حجته وسماع دعوته، وتوسعه بمرور الزمن، رغم الضغوط الكثيرة، والصراع العنيف. ويأتي في الفصل الثالث من المقصد الثالث ما ينفع في المقام إن شاء الله تعالى. قال عزّ من قائل: "أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَ" (ابراهيم 24-25). وهو المناسب لحجم التضحية التي أقدم عليها الإمام الحسين صلوات الله عليه صابراً محتسب، راضياً بقضاء الله تعالى وقدره، مستجيباً لأمره، واثقاً بتسديده ونصره. وبذلك يتضح وجه قوله صلوات الله عليه في كتابه المتقدم: (أما بعد فإن من لحق بي استشهد، ومن لم يلحق بي لم يدرك الفتح). فجزاه الله تعالى عن الدين وأهله أفضل جزاء المحسنين. وصلى الله عليه وعلى آبائه وأبنائه الطيبين الطاهرين، وعلى أصحابه الميامين الذين استشهدوا معه، والذين سمعوا الداعي فأجابوه، ووثقوا بالقائد فاتبعوه، ولم تأخذهم في الله لومة لائم، ولا عاقهم عن أداء واجبهم عائق مهما بلغ. و "الْحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللهُ" (الاعراف 43). وله الشكر أبداً دائماً سرمد. ونسأله أن يثبتنا بالقول الثابت في الدنيا وفي الآخرة، ويزيدنا إيماناً وتسليماً إنه أرحم الراحمين، وولي المؤمنين. وهو حسبنا ونعم الوكيل. نعم المولى ونعم النصير.
https://telegram.me/buratha