الصفحة الإسلامية

آيات قرآنية من كتاب فاجعة الطف للسيد محمد سعيد الحكيم قدس سره (ح 8)


الدكتور فاضل حسن شريف

جاء في كتاب فاجعة الطف لسماحة المرجع الاعلى السيد محمد سعيد الحكيم: حديث سدير الصيرفي: وقد يحسن بنا أن نذكر هنا حديث سدير الصيرفي، قال: (دخلت على أبي عبد الله عليه السلام، فقلت له: والله ما يسعك القعود. فقال: ولِمَ يا سدير؟ قلت: لكثرة مواليك وشيعتك وأنصارك. والله لو كان لأمير المؤمنين عليه السلام ما لَكَ من الشيعة والأنصار والموالي ما طمع فيه تيم وعدي. فقال: يا سدير وكم عسى أن يكونو؟ قلت: مائة ألف. قال: مائة ألف؟ قلت: نعم، ومائتي ألف. قال: مائتي ألف؟ قلت: نعم، ونصف الدني. قال: فسكت عني. ثم قال: يخف عليك أن تبلغ معنا إلى ينبع؟ قلت: نعم. فأمر بحمار وبغل أن يسرج فمضين، فحانت الصلاة. فقال: يا سدير انزل بنا نصلي. ثم قال: هذه أرض سبخة لا تجوز الصلاة فيه. فسرنا حتى صرنا إلى أرض حمراء. نظر إلى غلام يرعى جداء. فقال: والله يا سدير لو كان لي شيعة بعدد هذه الجداء ما وسعني القعود. ونزلنا وصلين. فلما فرغنا من الصلاة عطفت على الجداء فعددتها فإذا هي سبعة عشر). ومن الطبيعي أن يكون مراده عليه السلام من الشيعة هنا الخلّص ذوي الثبات والتسليم والتصميم على الوجه الأكمل، الذين لا تزعزعهم المحن والبليات، ولا تزيلهم الشبهات والمغريات. وقد يشير إلى ذلك حديث أبي مريم عن الإمام الباقر عليه السلام: (قال: قال أبي يوماً وعنده أصحابه: من منكم تطيب نفسه أن يأخذ جمرة في كفه، فيمسكها حتى تطف؟ قال: فكاع الناس كلهم ونكلو. فقمت وقلت: يا أبة أتأمر أن أفعل؟ فقال: ليس إياك عنيت. إنما أنت مني وأنا منك. بل إياهم أردت قال: وكررها ثلاث. ثم قال: ما أكثر الوصف، وأقل الفعل. إن أهل الفعل قليل. إن أهل الفعل قليل. وإنا لنعرف أهل الفعل والوصف مع. وما كان هذا منّ تعامياً عليكم، بل لنبلوا أخباركم، ونكتب آثاركم. فقال: والله لكأنما مادت بهم الأرض حياء مما قال... فلما رأى ذلك منهم قال: رحمكم الله فما أردت إلا خير. إن الجنة درجات، فدرجة أهل الفعل لا يدركها أحد من أهل القول، ودرجة أهل القول لا يدركها غيرهم. قال: فوالله لكأنما نشطوا من عقال). وعلى ذلك يجري قوله تعالى: فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً * وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيت" (النساء 65-66). نعم قد تعرض الأئمة صلوات الله عليهم للإنكار عليهم ممن يتبنى خط الثورة من العلويين وغيرهم. إلا أنهم عليهم السلام لم يكترثوا بذلك بعد رضوخ شيعتهم لهم، وتقبلهم لموقفهم. ولاسيما بعد ظهور فشل محاولات الثورة والإصلاح الكثيرة عسكري، أو عملياً بانحراف الثورة حين قيامها أو بعد نجاحه. والحاصل: أن فاجعة الطف قد خففت من ضغط الدعوة للثورة على سلطان الجور عن الأئمة صلوات الله عليهم، وسهّلت عليهم إقناع شيعتهم بعدم الجدوى فيه، وانتظار الفرج بقيام الحجة المهدي المنتظر صلوات الله عليه وعجل الله فرجه. وهذه فائدة مهمة لفاجعة الطف، حيث سهلت على الأئمة عليهم السلام بناء الشيعة ثقافياً كما يريدون، بعيداً عن الضجيج والعجيج. وهي في الحقيقة من جملة الثمرات الدينية لفاجعة الطف، تضاف لما سبق في الفصل الأول.

صلاح المجتمع مدعاة للتسديد والفيض الإلهي: ولاسيما أن المجتمع المذكور يكون حينئذ مورداً للفيض الإلهي. كما قال الله تعالى: "وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ" (الاعراف 96)، وقال عز وجل: "وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُواْ وَاتَّقَوْاْ لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ * وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم" (المائدة 65-66). وقد تقدم قريباً في كلام سلمان الفارسي رضي الله عنه ما يناسب ذلك. ونحوه في كلام له آخر . وفي كلام له ثالث: (لو بايعوا علياً لأكلوا من فوقهم، ومن تحت أرجلهم). وفي كلام أبي ذر: (أما لو قدّمتم من قدّم الله، وأخّرتم من أخّر الله، وأقررتم الولاية والوراثة في أهل بيت نبيكم، لأكلتم من فوق رؤوسكم، ومن تحت أقدامكم). ومن الظاهر أن الفيض الإلهي المذكور يقلل من فرص الخلاف والشقاق، ومن الخروج على السلطة الشرعية. لفقد المبرر له، ورفض المسلمين لذلك حينئذٍ. بل قد ورد في كلام غير واحد من أهل البيت صلوات الله عليهم ووجوه الصحابة القطع بعدم تحقق الخلاف والشقاق حينئذ. كما يناسبه ما سبق في كلامي سلمان وأبي ذر. وقالت الصديقة فاطمة الزهراء صلوات الله عليه في خطبتها الكبرى: (فجعل الله الإيمان تطهيراً لكم من الشرك، والصلاة تنزيهاً لكم عن الكبر... وطاعتنا نظاماً للملة، وإمامتنا أماناً للفرقة). وقال عبد الله بن جعفر في حديث له مع معاوية: (فإن هذه الخلافة إن أخذ فيها بالقرآن فأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله، وإن أخذ فيها بسنة رسول الله فأولوا رسول الله. وأيم الله لو ولوه بعد نبيهم لوضعوا الأمر في موضعه، لحقه وصدقه، ولأطيع الرحمن وعصي الشيطان، وما اختلف في الأمة سيفان). إلى غير ذلك مما يدل على أن الأمة لو لم تنحرف من أول الأمر لاستمرت في استقامتها وتماسكه. ولو فرض أن سولت بعض النفوس لأصحابها بذلك، كان خارجاً عن جماعة المسلمين محارباً من قبلهم، لا مجال لتبرير موقفه بعد اتفاقهم على وجوب طاعة الإمام وعصمته. اللذين لا مجال معهما للاجتهاد والاختلاف. ولاسيما بعد إدراكهم خير ذلك وبركته، بنحو يقتضي تجذر الاستقامة والانقياد للحق في نفوسهم، والاهتمام بالحفاظ عليه، والدفاع عنه. لا يسقط الميسور من الإصلاح بالمعسور: نعم لا يسقط الميسور من الإصلاح بالمعسور. وما لا يدرك كله لا يترك كله. ولكل وجهة نظره. والله سبحانه وتعالى من وراء القصد. "وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ" (العنكبوت 69). وعلى كل حال فذلك كله ليس لقصور في النظام الإسلامي الرفيع، ولا في التشريع الإلهي القويم، بل لتقصير الأمة في واجبها من اليوم الأول، حيث فسحت المجال للانحراف، وغضت الطرف عنه. ولم تقم بواجبها في إنكار المنكر والاستجابة للإمام المعصوم صلوات الله عليه من أجل تعديل المسار وإصلاح الأوضاع. فتبوء هي بذنبه، وتتحمل مسؤولية عمله، من دون أن يتحمل الإسلام ولا رموزه العظام شيئاً من ذلك. وإنا لله وإنا إليه راجعون. ونسأله عز وجل التسديد والتوفيق. ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالن، ونعتصم به من الشيطان الرجيم، ومن مضلات الفتن. إنه أرحم الراحمين، وولي المؤمنين. وهو حسبنا ونعم الوكيل.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك