الصفحة الإسلامية

اشارات الشيخ جلال الدين الصغير عن الامامة في القرآن الكريم (ح 23)


الدكتور فاضل حسن شريف

قال الشيخ جلال الدين الصغير: دليل الفكر القرآني ونعني به هنا الدلائل التي نستوحيها من القرآن الكريم وإن لم يتحدث عن الولاية التكوينية، وإنما يمكن أن نلحظ أن الولاية التكوينية هنا تأتي كقضية جزئية ضمن قضية أكبر جعلت حقا للمعصوم عليه السلام، وتحقق الشئ الأكبر هو في الحقيقة تحقق لما هو أصغر منه. وفي الواقع أن شواهد هذا الدليل هي كثيرة جدا، ولنأخذ منها البعض: أ - الكون أمانة بيد المعصوم: تظهر آية الأمانة الواردة في القرآن بقوله تعالى: "إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا" (الاحزاب 72) أن الله سبحانه وتعالى حينما عرض أمانة مسؤولية الكون كل الكون ضمن سياق القدرة التكوينية حملها الإنسان فهذا العرض لازمه وجود المؤهل الذاتي لدى الإنسان على الحمل. ولا يعني وصفه بالظلم والجهل أنه يسري لكل أفراد هذا الإنسان، لأن ذلك تعني أن الله جل وعلا قد كلف الظلوم الجهول بهذه الأمانة في الوقت الذي كان سبحانه وتعالى قد تعهد على أن لا ينيل الظالم عهده كما أوضحته الآية القرآنية: "وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ" (البقرة 124). وحيث أن عرض الله سبحانه لا يتخلف لذا لا بد من وجود جهة يتعلق بها هذا الحمل، وهذه الجهة تتصف بعدم الظلم والجهل مما يقتضي كونها معصومة، ولربما يذهب بعض المفسرين إلى القول بأن الإنسان كلما ابتعد عن الظلم والجهل كلما كان جديرا بحمل هذه الأمانة، وهو غير متعارض مع ذلك، إذ عنده يكون المعصوم هو جهة الإنسان الكامل، وما سواه مما يسير باتجاهه.

واستطرد الشيخ الصغير عن الشواهد: ب: تعلق الوجود الكوني على وجود المعصوم: يطرح القرآن المجيد هذه الحقيقة في الآية الكريمة الواردة في سورة هود: "وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا" (هود 7) فهنا يصرح بأن خلق الكون كان معلل لوجود جهة من وصفهم بالأحسن عملا، وحسن العمل تكامله وخلوه من الخلل والعيب، وهذا مقتضى العصمة، فحيث أنه خلق الكون وبرر عملية الخلق بأنها إنما تمت فمن أجل وجود من هو أحسن عملا، اقتضى ذلك وجود هذه الجهة التي تعبر عن حسن أعمل وتكون مصداقا له كي تكون بمثابة الحجة المصداقية على بقية البشر، لهذا يكون وجود الكون متعلقا بوجود هذه الجهة، لأن عدم وجودها يقضي بانتفاء المبرر الذي اختفى وراء لام التعليل الموجودة في كلمة: (ليبلوكم)، وهذا هو مؤدى الأحاديث المتواترة عن النبي صلى الله عليه واله وسلم وأهل البيت عليهم السلام والتي تقضي بهذا المؤدى.

يقول الشيخ جلال الدين الصغير: عن محمد بن الفضيل، عن أبي حمزة، قلت لأبي عبد الله: أتبقى الأرض بغير إمام؟ قال: لو بقيت الأرض بغير إمام لساخت. ومثل ذلك كثير، وتؤكده وبنفس الطريقة الآية الكريمة: "وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ" (الانفال 33)، فهنا علل عدم نزول العذاب بسبب وجود المعصوم صلى الله عليه واله وسلم. وفي نفس السياق يتجه مفاد الآية الكريمة: "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ" (الذاريات 56)، فهنا الآية كسالفتها تعلل عملية الخلق بوجود الجهة العابدة، وحيث أن العلة لا تتخلف عن وجود المعلول بل هي مرتبطة بهن فلا بد أن تكون هذه الجهة قد خلقت مسبقا، الخلق هنا ليس خلقا جسمانيا، وإنما هو خلق أنواري كما تفيد الكثير من الروايات الصحيحة، وإلا ما تمت عملية الخلق التي علق تحققها على وجود تلك الجهة، وهذه الجهة حيث وصفت بالعبادة لا بد وأن تكون عبادتها كاملة مما يقتضي عصمته.

وعن الشواهد الاخرى يقول الشيخ الصغير: ج: الإنذار والتبشير في عالم الجن: من المسلم به قرآنيا هو أن مسألة الإنذار والتبشير الموكلة إلى الرسول (ص) تشمل الجن كما شملت الإنس كما يتجلى ذلك في سورة الجن: "قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا" (الجن 1-2) والسؤال البديهي هنا هو كيف يمكن للرسول أن يتواصل مع عالم الجن من دون قدرات الولاية التكوينية؟ من الطبيعي أن الجواب على ذلك ليس عسيرا بعد كل ما قدمنا، لا سيما وأننا ندرك تماما أن مسؤولية الهداية والإنذار تفوق في الشأنية كل شؤون الولاية التكوينية. د - تنزل الروح في ليلة القدر: سورة القدر من جملة السور التي تقرأ كثيرا، ولكنها تنطوي في مجال بحثنا هذا على أهمية عظمى، فعلى من تتنزل؟ وبأي أمر تتنزل؟ وما هي غايات التنزيل؟ فلدينا هنا فعل مضارع تتنزل وهو يشي بطبيعته إلى الاستئناف، وفعل كهذا يؤكد على أن شأن ليلة القدر لا زال مستمرا من حيث نزول الملائكة بمعية الروح حتى الساعة، وهو ما يتأكد أيضا بوجود عبارة: "مِنْ كُلِّ أَمْرٍ" (القدر 4) فهذه العبارة على ما تفيده بعض اتجاهات التفسير لدى الخاصة، وبعض اتجاهات التفسير لدى العامة، ومنها تفسير محمد حسين فضل الله من وحي القرآن 24: 406. ه - إذا ثبت للمفضول شئ ثبت للفاضل أشياء: إذا ثبت أن بإمكان إنسان ما القيام بشئ معين نتيجة ميزة معينة، فإن من البديهي بمكان أن نقول بأن من يتفوق على ذلك الإنسان في المزية التي جعلته قادرا على القيام بذلك الشئ هو أقدر على القيام بهذا الشئ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك