الصفحة الإسلامية

اشارات الشيخ جلال الدين الصغير عن الامامة في القرآن الكريم (ح 33)


الدكتور فاضل حسن شريف

تطرق الشيخ جلال الدين الصغير عن سورة القدر وعلاقتها بالامامة قائلا: لو أخذنا الآية الشريفة: "إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ" (الرعد 7) فهي الأخرى تدلنا على ما نحن بصدده، فالامتداد هنا واضح، ولكن طبيعة الهداية التي تنسجم مع أن تكون حجة الله بالغة بصورة لا تجعل لعباده أي مجال للتذرع، تفترض أن يكون الهادي مشخصا من قبل نفس جهة الهداية ربا كان أو رسولا، بمعنى أن يكون هناك نص عليه، وأن يكون هاديا يقضي بأن يكون مطاعا، من قبل نفس الجهة التي أمرت بطاعة الرسول لإنذاره، وحيث إن الأمر بالطاعة يستلزم أن يكون المطاع مستحقا لها، فلا بد عندئذ من أن يكون معصوما، وهذا ما يجرّنا إلى ما نحن بصدده، وهي استلزام الامتداد في جهة الهداية لما بعد الرسول. وتطرح سورة القدر الأمر بوضوح من بعد آخر، ففي قوله جل وعلا: "تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ" (القدر 4) وما نرى من دور لفعل المضارعة في الآية المناظرة لها: "إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ" (الدخان 3-4) وكذا قوله: "تَنَزَّلُ" يدل على أن هذا التنزل من قبل الملائكة والروح يكون في كل عام، من دون أن يتخصص بزمن الرسول صلى الله عليه وآله دون غيره من الأزمان. ولو جارينا العامة ومعهم السيد محمد حسين فضل الله في القول بأن الملائكة تتنزل بالأرزاق والآجال، فما بال الروح قد نزل معهم؟ فالروح إن كان جبرائيل عليه السلام حسب روايات العامة ومعهم فضل الله بالطبع، أو كان الروح ذلك المخلوق الذي تصفه روايات أهل البيت عليهم السلام بأنه أعظم خلقا من الملائكة، وهو ما عليه جمهور مفسري الشيعة ومحدثيهم وتؤيده الآية الكريمة: "يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا" (النحل 2) أيا كان ذلك فهو أمر متعلق الوحي الإلهي. ولو قدّر أن الأمر الذي جاءت به الملائكة متعلق بالأرزاق والآجال، فعلى ما ذا جاء هذا الروح معهم واختصاصه هو الوحي؟ وماذا يفعل في ساحة انقطع عنها الوحي الإلهي ـ حسب منطوق فكر أهل العامة؟. وما من تفسير يمكن وصفه بالدقة لهذا التنزل السنوي للروح إلا من خلال الإذعان لنظرية وجود امتداد رسالي للنبوة هو الإمامة.

وعن ضرورة الامامة يقول الشيخ جلال الدين الصغير: نحاول في هذا المبحث أن نتلمس الأدلة القرآنية على اعتبار الإمامة ضرورة من ضرورات الرسالة الاسلامية، بمعزل عن الاسقاطات الطائفية في هذه المجال، وسنعالج ذلك من خلال العثور على المباني القرآنية لما تحدثنا عنه من قبل وقلنا بأن ثمة ستة مقامات للإمامة قد افترضنا وجودها في القرآن، وأعني بذلك الإمامة الشاهدة، وإمامة التشريع، وإمامة الوجدان، وإمامة السياسة والحكم، وإمامة الوجود، وإمامة الآخرة، ونحاول تطبيق هذه المقامات على تلك المواصفات التي دلّتنا عليها الاية الكريمة : "قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ۖ قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۖ قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ" (البقرة 124) وأعني بها ضرورة النص وعصمة المنصوص عليه، وامتداد الإمامة وعدم توقفها عند محطة الخاتمية النبوية، وتشخيص جهة المنصوص عليه.

ويستطرد الشيخ الصغير: تشير الآية الكريمة: "هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ" (ال عمران 7) إلى حقيقة أن هذا الكتاب لا يكفي بمفرده ليعالج مشكلة هداية الناس وسوقهم نحو الطاعة لله، وذلك لأنه يحوي محكمات ومتشابهات، وهذه المتشابهات مرتبطة بتلك المحكمات، غير أن إرجاع كل آية إلى موضعها ضمن تعقيدات الحياة المختلفة عملية تنطوي على مخاطر متعددة، فالذي يريد القيام بهذه العملية إما أن يقع أسيرا لأهواء نفسه في رغبته للتخلص من الخطر أو رغبتها في الاستزادة من الدنيا، فيضع النص القرآني بدوره أسيرا لمراميه ومآربه "فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ" (ال عمران 7) فيفتن الناس ويضلهم سعيا وراء طموحاته وأهدافه المتحركة من أهواء النفس وزيغ الشيطان، وذلك وفق ما صورته الآية الكريمة: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ" (التوبة 34). وإما أن يكون جاداً في وصوله لتأويل هذه المتشابهات، ولكن لطبيعة أن هذا الكتاب قد أرسل من قبل الجهة الربانية، وعلمه مختص بمن توليه هذه الجهة أسراره بحيث يكون هذا العلم إما متساوياً مع ما في الكتاب من علم أو أكثر منه، لاستحالة أن يكون أقل منه باعتبار أن فاقد الشيء لا يعطيه، لذا فلا يمكن تصور أن بمقدور أي إنسان شاء أن يستطيع سبر أغوار هذا الكتاب "وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ" فيضلّ الناس عن بلوغ مرامي الكتاب حتى لو رغب صادقا في تأويل الكتاب، فتأويله سيأتي بمقدرة عقل مهما قلنا فيه فسيبقى ناقصا، وكيف يمكن لناقص أن يفسر كاملا؟. وفي كلا الحالتين نرى الجهد البشري يتخلف عن الوصول إلى حقائق هذا الكتاب لخصوصياته التي جعلت فهمه الكامل والشامل منحصرة في جهة خاصة هي التي عبّرت عنها الآية الكريمة بدقة وحزم: "وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ" (ال عمران 7). ومعها فإن ثمة تساؤلات طبيعية ستفرض نفسها عن هذه الجهة التي سميت بـ (الراسخون في العلم) هوية وطبيعة، ومقدار ما نالته من العلم؟ وطبيعة هذا العلم هل هو كسبي.. وبالتالي يمكن الوصول إليه؟. أم هو نمط آخر من العلم الذي لا يناله إلا من اصطفاه الله لعلمه واجتباه لحفظ أسرار كتابه؟ خصوصا إذا ما لاحظنا أن بعض آيات الكتاب الكريم كانت قد تحدثت عن طبيعة غير عادية بالنسبة لهذا الكتاب، وأولته إمكانات هي في أدنى حدودها الطبيعية فوق ما يسمى بعالم الطبيعة كما في قوله جل من قائل: "وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا" (الرعد 31). أو في قوله تعالى اسمه: "لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ" (الحشر 21).

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك