الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في كتاب اصول العقيدة للسيد محمد سعيد الحكيم قدس سره: لابد في الاعتقاد من قيام الدليل الكافي: نعم، لابد في الاعتقاد بالشيء والإذعان به من قيام الدليل عليه، وحصول العلم به، ويحرم التسرع في ذلك ظناً وتخرصاً من دون بيّنة وبصيرة، كما سبق. وهو افتراء على الله تعالى، بل أقبح الافتراء ومن أعظم المحرمات، بضرورة الدين. قال الله تعالى: "وَلاَ تَقفُ مَا لَيسَ لَكَ بِهِ عِلمٌ إنَّ السَّمعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنهُ مَسؤُول" (الاسراء 36). ووضوح ذلك يغني عن استكثار الأدلة عليه. وكما يحرم الاعتقاد بالشيء من دون دليل عليه، يحرم أيضاً الاعتقاد بعدمه من دون دليل، لأنه افتراء أيضاً وقول بغير علم. وكما يحتاج الإثبات إلى دليل يحتاج النفي إلى دليل. ولا يكفي في نفي الشيء عدم وجدان الدليل عليه، بل اللازم التوقف حتى يتضح الحال إثباتاً أو نفياً بدليل واف وبرهان كاف، يصلح عذراً بين يدي الله تعالى يوم يعرضون عليه، ويوقفون للحساب بين يديه. واللازم مع الشك التوقف والاكتفاء بالإيمان الإجمالي والاعتقاد بما جعله الله تعالى في الواقع، على ما هو عليه، كما سبق، ويبقى الجهل عذر، وملزماً بالتوقف عن الاعتقاد التفصيلي. وقد سبق أنه لا يجب تكلّف الفحص لمعرفة الحقيقة تفصيلاً من أجل الاعتقاد بها قلباً والإقرار بها لسان، إلا في أصول الدين التي هي موضوع حديثنا هذ، حيث لا يكفي فيها الاعتقاد الإجمالي، بل يجب الفحص عنها من أجل الاعتقاد بها تفصيل. وعلى ذلك يقع الكلام في تلك الأصول في خمسة مقاصد.
جاء في كتاب منهاج الصالحين للسيد محمد سعيد الحكيم قدس سره: قال الله سبحانه وتعالى "وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ" (الاسراء 79) لا تشرع الجماعة لشئ من النوافل الأصلية وإن وجبت بالعارض لنذر ونحوه حتى صلاة الغدير، إلا في صلاة الاستسقاء، كما سبق. نعم ورد فيما إذا ائتم المسافر بالحاضر أنه يصلي فريضة الظهر مع الإمام في الركعتين الأوليين من الظهر، ثم يصلي معه في الركعتين الأخيرتين منها النافلة، ويصلي معه في الركعتين الأوليين من العصر النافلة ثم يصلي معه في الركعتين الأخريين منها فريضة العصر. ولا بأس بالعمل بذلك برجاء المطلوبية.
جاء في كتاب اصول العقيدة للسيد محمد سعيد الحكيم قدس سره: محاولات مجاراة القرآن الكريم: نعم، حاول بعض الزنادقة والخصوم ذلك، إلا أنهم ارتدوا خائبين. فقد روي عن هشام بن الحكم أنه قال: (اجتمع ابن أبي العوجاء، وأبو شاكر الديصاني الزنديق، وعبد الملك البصري، وابن المقفع، عند بيت الله الحرام، يستهزؤون بالحجاج، ويطعنون بالقرآن. فقال ابن أبي العوجاء: تعالوا ننقض كل واحد منّا ربع القرآن، وميعادنا من قابل في هذا الموضع نجتمع فيه وقد نقضنا القرآن كله، فإن في نقض القرآن إبطال نبوة محمد، وفي إبطال نبوته إبطال الإسلام، وإثبات ما نحن فيه، فاتفقوا على ذلك وافترقو. فلما كان من القابل اجتمعوا عند بيت الله الحرام، فقال ابن أبي العوجاء: أما أنا فمفكر منذ افترقنا في هذه الآية: "فَلَمَّا استَيأسُوا مِنهُ خَلَصُوا نَجِيّ" (يوسف 80). فلم أقدر أن أضم إليها في فصاحتها وجميع معانيها شيئ، فشغلتني هذه الآية عن التفكر فيما سواه. فقال عبد الملك: وأنا منذ فارقتكم مفكر في هذه الآية: "يَا أيُّها النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاستَمِعُوا لَهُ إنَّ الَّذِينَ تَدعُونَ مِن دُونِ اللهِ لَن يَخلُقُوا ذُبَاباً وَلَو اجتَمَعُوا لَهُ وَإن يَسلُبهُم الذُّبَابُ شَيئاً لاَ يَستَنقِذُوهُ مِنهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالمَطلُوبُ" (الحج 73). ولم أقدر على الإتيان بمثله. فقال أبو شاكر: وأنا منذ فارقتكم مفكر في هذه الآية: "لَو كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إلاَّ اللهُ لَفَسَدَتَ" (الانبياء 22). لم أقدر على الإتيان بمثله. فقال ابن المقفع: يا قوم هذا القرآن ليس من جنس كلام البشر، وأنا منذ فارقتكم مفكر في هذه الآية: "وَقِيلَ يَا أرضُ ابلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أقلِعِي وَغِيضَ المَاءُ وَقُضِيَ الأمرُ وَاستَوَت عَلَى الجُودِيِّ وَقِيلَ بُعداً لِلقَومِ الظَّالِمِينَ" (هود 44). لم أبلغ غاية المعرفة بها ولم أقدر على الإتيان بمثله. قال هشام: فبينما هم في ذلك إذ مرّ بهم جعفر بن محمد الصادق عليهم السلام، فقال: "قُل لَئِن اجتَمَعَت الإنسُ وَالجِنُّ عَلَى أن يَأتُوا بِمِثلِ هَذَا القُرآنِ لاَ يَأتُونَ بِمِثلِهِ وَلَو كَانَ بَعضُهُم لِبَعضٍ ظَهِير" (الاسراء 88). فنظر القوم بعضهم إلى بعض.) وذكروا أن ابن الراوندي قال لأبي علي الجبائي: (ألا تسمع شيئاً من معارضتي للقرآن ونقضي عليه؟). فقال له: (أنا أعلم بمخازي علومك وعلوم أهل دهرك. ولكن أحاكمك إلى نفسك، فهل تجد في معارضتك له عذوبة وهشاشة وتشاكلاً وتلازم، ونظماً كنظمه، وحلاوة كحلاوته؟ قال: لا والله. قال: قد كفيتني. فانصرف حيث شئت). وربما توجد محاولات أخرى لا يهمنا التعرض له. وسواء صدقت الروايات أم لا فالقرآن المجيد ما زال يتحدى الناس ليجاروه ويأتوا بمثله، وما زال له وللإسلام أعداء، لهم قدرات عالية، يودون الإيقاع بهم. وإذا كانت المفاهيم القرآنية الشريفة قد طوِّرت شرحاً وتوضيحاً وتفصيل، خصوصاً في كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام، الذين هم معدن المعرفة لتلك المفاهيم، فإن الأسلوب القرآني في عرض تلك المفاهيم يبقى متميزاً بنفسه في القمة، لا يدانيه بيان، فضلاً عن أن يعلو عليه، كما تقتضيه سنّة التطور العامّة. ولذا نرى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام مع ارتفاع مستوى بيانهم حتى ورد عنهم أنهم أوتوا فصل الخطاب، وأنهم أمراء الكلام إذا ضمنوا كلامهم بالقرآن الشريف أو استشهدوا به فيه تميز القرآن عن كلامهم بمستواه الرفيع، وبدا فيه كالوشي الذي يطرِّز الثياب الجياد، والجوهر الذي ترصع به الحلي. ووضوح ذلك يغني عن إطالة الكلام فيه، وذكر الشواهد له.
https://telegram.me/buratha