الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في كتاب مصباح المنهاج / التجارة للسيد محمد سعيد الحكيم: يحرم الكذب: ويظهر من بعض مشايخنا قدس سره إنكار حكم العقل بقبحه في نفسه، وأنه إنما يقبح عقلاً من ترتب مفسدة عليه. لكنه كما ترى، فإن حسن الصدق وقبح الكذب من الوجدانيات الضرورية. نعم الظاهر عدم ملازمة الحكم المذكور للحرمة شرعاً، لإمكان مزاحمته بجهة تمنع من الحكم بحرمته، وإلى ذلك يرجع ما ذكرناه في الأصول وأشرنا إليه في المسألة السابقة من إنكار ملازمة حكم العقل لحكم الشرع. فالعمدة في الدليل على حرمته الأدلة التعبدية من الكتاب والسنة والإجماع. ولا إشكال في نهوضها بحرمته في الجملة. والمهم إقامة الدليل على حرمته مطلقاً، ليرجع إليه في موارد الشك. والظاهر وفاء الكتاب والسنة بذلك. أما الكتاب فقد يستدل منه بقوله تعالى: "وَاجتَنِبُوا قَولَ الزُّورِ" (الحج 30) إن الزور وإن لم يختص بالكذب، كما سبق عند الكلام في حرمة الغناء، بل هو مطلق الميل، إلا أن الكذب من أظهر أفراد قول الزور. وأما تفسير قول الزور في النصوص الكثيرة بالغناء فالظاهر أنه راجع إلى تطبيقه عليه وكونه من أفراده، من دون أن يختص به، لشيوع ذلك في النصوص الواردة في تفسير القرآن، ويحتاج التخصيص إلى عناية. ويؤكد ذلك في المقام صحيح حماد بن عثمان عن أبي عبدالله عليه السلام: (سألته عن قول الزور. قال: منه قول الرجل الذي يغني: أحسنت).
جاء في كتاب اصول العقيدة للسيد محمد سعيد الحكيم قدس سره: محاولات مجاراة القرآن الكريم: نعم، حاول بعض الزنادقة والخصوم ذلك، إلا أنهم ارتدوا خائبين. فقد روي عن هشام بن الحكم أنه قال: (اجتمع ابن أبي العوجاء، وأبو شاكر الديصاني الزنديق، وعبد الملك البصري، وابن المقفع، عند بيت الله الحرام، يستهزؤون بالحجاج، ويطعنون بالقرآن. فقال ابن أبي العوجاء: تعالوا ننقض كل واحد منّا ربع القرآن، وميعادنا من قابل في هذا الموضع نجتمع فيه وقد نقضنا القرآن كله، فإن في نقض القرآن إبطال نبوة محمد، وفي إبطال نبوته إبطال الإسلام، وإثبات ما نحن فيه، فاتفقوا على ذلك وافترقو. فلما كان من القابل اجتمعوا عند بيت الله الحرام، منهم عبد الملك قال: وأنا منذ فارقتكم مفكر في هذه الآية: "يَا أيُّها النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاستَمِعُوا لَهُ إنَّ الَّذِينَ تَدعُونَ مِن دُونِ اللهِ لَن يَخلُقُوا ذُبَاباً وَلَو اجتَمَعُوا لَهُ وَإن يَسلُبهُم الذُّبَابُ شَيئاً لاَ يَستَنقِذُوهُ مِنهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالمَطلُوبُ" (الحج 73). ولم أقدر على الإتيان بمثله. قال هشام: فبينما هم في ذلك إذ مرّ بهم جعفر بن محمد الصادق عليهم السلام، فقال: "قُل لَئِن اجتَمَعَت الإنسُ وَالجِنُّ عَلَى أن يَأتُوا بِمِثلِ هَذَا القُرآنِ لاَ يَأتُونَ بِمِثلِهِ وَلَو كَانَ بَعضُهُم لِبَعضٍ ظَهِير" (الاسراء 88). فنظر القوم بعضهم إلى بعض.) وذكروا أن ابن الراوندي قال لأبي علي الجبائي: (ألا تسمع شيئاً من معارضتي للقرآن ونقضي عليه؟). فقال له: (أنا أعلم بمخازي علومك وعلوم أهل دهرك. ولكن أحاكمك إلى نفسك، فهل تجد في معارضتك له عذوبة وهشاشة وتشاكلاً وتلازم، ونظماً كنظمه، وحلاوة كحلاوته؟ قال: لا والله. قال: قد كفيتني. فانصرف حيث شئت). وربما توجد محاولات أخرى لا يهمنا التعرض له. وسواء صدقت الروايات أم لا فالقرآن المجيد ما زال يتحدى الناس ليجاروه ويأتوا بمثله، وما زال له وللإسلام أعداء، لهم قدرات عالية، يودون الإيقاع بهم. وإذا كانت المفاهيم القرآنية الشريفة قد طوِّرت شرحاً وتوضيحاً وتفصيل، خصوصاً في كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام، الذين هم معدن المعرفة لتلك المفاهيم، فإن الأسلوب القرآني في عرض تلك المفاهيم يبقى متميزاً بنفسه في القمة، لا يدانيه بيان، فضلاً عن أن يعلو عليه، كما تقتضيه سنّة التطور العامّة. ولذا نرى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام مع ارتفاع مستوى بيانهم حتى ورد عنهم أنهم أوتوا فصل الخطاب، وأنهم أمراء الكلام إذا ضمنوا كلامهم بالقرآن الشريف أو استشهدوا به فيه تميز القرآن عن كلامهم بمستواه الرفيع، وبدا فيه كالوشي الذي يطرِّز الثياب الجياد، والجوهر الذي ترصع به الحلي. ووضوح ذلك يغني عن إطالة الكلام فيه، وذكر الشواهد له.
https://telegram.me/buratha