الصفحة الإسلامية

اشارات الشيخ جلال الدين الصغير عن الامامة في القرآن الكريم (ح 36)


الدكتور فاضل حسن شريف

جاء في كتاب الامامة ذلك الثابت الاسلامي المقدس لمؤلفه الشيخ جلال الدين الصغير: عن امامة السياسة والحكم: قال الله تبارك وتعالى:

وكما في قوله : "قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ" (التوبة 29). قوله تعالى: "وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا" (النساء 75). وكذا قوله: "أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ" (الحج 39-41). وكذا قوله تعالى: "وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا" (النساء 83) وغير ذلك المئات من الآيات القرآنية التي اتصلت بمسائل السياسة الحكم وشؤونهما.

واستطرد الشيخ الصغير قائلا: وحيث لا يعقل أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الذي تحدث كتابه المقدس بكل هذه الأمور وهو لا يخطط للأمور التي ستعقب وجوده الحياتي، لا سيما وانه قد أخبر من قبل القرآن بالأوضاع غير الطبيعية التي ستعقب حياته الشريفة: "وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ" (ال عمران 144). ولهذا نقول بأن من المفروض أن نجد في القرآن دلالة واضحة على وجود إدامة لهذا الخط الذي سار عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا سيما وأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لم يستطع أن يحقق المهام التي وضعها نصب عينيه، فهذه المدينة التي كانت معقلا للرسول صلى الله عليه وآله وسلم كانت تحوي من أصناف المنافقين وأعداء الرسالة بالصورة التي تصوّر فيه سورة التوبةـ وهي السورة التي نزلت في جملة أواخر السور القرآنية ـ بعضا من أصنافهم كما في قوله تعالى: "وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ" (التوبة 49). وكذا قوله: "وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ" (التوبة 58). وكذا قوله: "وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ" (التوبة 61). وكذا قوله: "وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ" (التوبة 75-76). وقوله أيضا: "فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ" (التوبة 81). هذه صورة من جملة كثيرة من الصور التي قدمها القرآن في هذه السورة وغيرها عن طبيعة المجتمع الذي كان يحيى فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقط، هذا ناهيك عما يحيط بهذا المجتمع من مشاريع استعدائية مستقبلية ظاهرة، فمن جهة هناك أحقاد قريش ومجاميع الطلقاء، ومن جهة هناك أحقاد اليهود وضغائنهم، ومن جهة ثالثة ما تمثله الدعوة المحمدية من خطر للروم والفرس والأقباط، وهو الخطر الذي قرع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بنفسه نواقيسه من خلال معركتي مؤتة وتبوك. وعليه فمن الحري بالقرآن الذي يخطط لهداية ربانية شاملة تمتد لآخر الزمن، أن يبين لنا موقفا واضحا في مسائل الحكم والسياسة وحسم مسالة العلاقة الجدلية بين الشرعية والسلطة والتي تعد واحدة من أكثر المسائل إثارة للحروب والفتن، ونظراً لأن مسألة الشرعية في السلطة من الأمور التي تحتاج إلى وضوح كامل، لان أي غبش في صورة الشرعية يمكن أن يفتح شارع الحروب الأهلية والانقلابات السياسية وضعضعة أمن المجتمع والفرد، ومن وراء ذلك كله أسوء صور الدمار والتفكك الاجتماعي وشرذمة وتفتيت الصف الواحد، لهذا لا بد من أن يكون تشخيص المرجعية السياسية التي يتحدد عبرها إطار الشرعية بشكل حاسم ودقيق، لأن أي تهاون في هذه الدقة يمكن له أن يفضي إلى عواقب وخيمة لا أقلها أنه قد يدخل المجتمع في أتون أزمات سياسية وأمنية وفكرية خانقة، وحسم كهذا يستوجب أن يلتزم بالمقاييس والمواصفات الأربع التي رأيناها في الإمامة وأعني بها النص والعصمة والتشخيص والامتداد.

يقول الشيخ جلال الدين الصغير: ولعل الآية الكريمة: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا" (النساء 59) تفتتح شأن الهداية الربانية في هذا المجال، فعبر هذه الآية نجد أن شأن الطاعة المطروحة هنا إنما هو شأن إمامة كاملة المواصفات بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك لأن الطاعة التي أوليت هنا لأولي الأمر لا يمكن تفسيرها بشكل منطقي ومتكامل بمعزل عن التنصيب الإلهي لمن وصف بولاية الأمر، حيث لا يمكن تصور أن الله يقرن طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وآله بطاعة ولاة الأمر من دون أن يكون له عناية خاصة بهذا المقام ضمن نسق حرمة الهداية الربانية، وهذه العناية لا يمكن إتمامها من دون تشخيص مواصفات هذا المقام, ومن دون تحديد طبيعة علاقته بجهتي الهداية وأعني بذلك الله والناس، ومن دون حسم طبيعة موضعه من جهتي رسالة الهداية وأعني بذلك الرسول صلى الله عليه وآله وكتابه، الأمر الذي يضفي بعداً جديداً على أبعاد المواصفات التي شخّصت في إمامة التشريع، وهو أن يكون الإمام في هذا المجال هو نفسه في مجال التشريع، حيث يلحظ اتحادا في الدور والهدف، ولا يمكن تصور وجود إمامين في زمان ومكان واحد. وما يؤكد هذا المعنى أن القرآن صريح في هذه الآية في تشخيص عصمة من وصفهم بولاة الأمر، فلا يعقل أن يطلب الله طاعة جهة إلا وهي معصومة، لأن خلاف ذلك سيؤدي إلى تناقض الأمر الإلهي، فهو من جهة يطلب طاعة ولاة الأمر على أي حال، وحينما يكون ولي الأمر خالياً من العصمة فلا بد من وقوعه في الخطأ، ولكن هذا الوقوع في الخطأ لا يلغي الأمر الإلهي بطاعته مطلقاً، ومما يعني التزامنا بطاعته في الخطأ، وهذا ما يستلزم تناقض الأمر الإلهي، وهذا مستحيل. وقد التفت الفخر الرازي إلى هذه الحقيقة فقال: إن الله تعالى أمر بطاعة أولي الأمر على سبيل الجزم في هذه الآية، ومن أمر الله بطاعته على سبيل الجزم والقطع لا بد وأن يكون معصوما عن الخطأ، إذ لو لم يكن معصوما عن الخطأ يكون قد أمر الله بمتابعته، فيكون ذلك أمرا بفعل ذلك الخطأ، والخطأ لكونه خطأ منهي عنه، فهذا يفضي إلى اجتماع الأمر والنهي في الفعل الواحد بالاعتبار الواحد وإنه محال. فثبت أن الله تعالى أمر بطاعة أولي الأمر على سبيل الجزم، وثبت أن كل ما أمر الله بطاعته على سبيل الجزم وجب أن يكون معصوما عن الخطأ، فثبت قطعا أن أولي الأمر المذكور في هذه الآية لا بد وان يكون معصوماً.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك