الدكتور فاضل حسن شريف
ان الظواهر الطبيعية في الكون لها وسائل لحصولها فالرياح وسيلة لسقوط الامطار، والامطار وسيلة لنبات الزرع، والزرع وسيلة لعيش الدواب. فعن طريق هذه الوسائل الله سبحانه يسعدك. وقد ذكرت السنن ان اهل المدينة جاءوا الى عائشة وطلبوا منها ان تدعوا ليسقط المطر فطلبت منهم الذهاب الى قبر الرسول صلى الله عليه واله وسلم ويتوسلوا به فبعد ذهابهم للقبر الشريف نزل المطر وارتوت الارض. وهكذا فان الانبياء والاولياء الصالحين هم من وسائل تقربك الى الله تعالى، ومن الوسائل الاخرى الايمان والجهاد والصلاة والزكاة والصوم كما قال امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام في نهج البلاغة (إنّ أفضل ما توسل به المتوسّلون إلى الله سبحانه وتعالى، الإيمان به، وبرسوله، والجهاد في سبيله فإنّه ذروة الإسلام، وكلمة الإخلاص فإنّها الفطرة، وإقام الصلاة فإنّها الملّة، وإيتاء الزكاة فإنّها فريضة واجبة، وصوم شهر رمضان فإنّه جفنّة من العقاب، وحجّ البيت واعتماره فإنّهما ينفيان الفقر، ويرحضان الذنب، وصلة الرحم فإنّها مثراة في المال، ومنسأة في الأجل، وصدقة السرّ فإنّها تكفّر الخطيئة، وصدقة العلانية فإنّها تدفع ميتة السوء وصنائع المعروف فإنّها تقي مصارع الهوان). وهذه أمثلة للوسيلة او القربى لله ومنها الجهاد الذي ورد في الآية المباركة "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" ﴿المائدة 35﴾.
الله جل جلاله يقول حول الوسيلة "أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا" (الإسراء 57). ففي الآية يتضح فيها ان الوسيلة هي القربى إلى الله عز وجل وطلب رحمته وان يقي ويحذر العبد من عذابه. وجاءت هذه الآية بعد قوله تعالى: "وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا * قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلا" (الإسراء 55-56). الفريق الذي يقول إن الأنبياء هم الوسيلة يستشهدون بورود الانبياء قبل اية الوسيلة وهم الاقرب الى الله تعالى، أما الدعاء والتوسل بالآلهة فهذا لا ينفع ولا يستطيعون كشف الضر عن هؤلاء الكفار والمشركين بالله بالدعاء والتوسل بآلهة غير الله.
أن الوسيلة ليست بالضرورة أن تكون ايجابية، مثلا الشتم والسب وسيلة سلبية للتنفيس عن النفس يمكن الاستفادة منها ايجابيا بالاصلاح حتى وان كان السب للذين يعبدون غير الله تعالى: "وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ" (الانعام 108). وهذا ما يفعله التكفيريون فيسبوا المؤمنين باعتقادهم انهم يعبدون غير الله تعالى. فعلى المؤمنين عدم الرد على سب التكفيريين بالرد السلبي ضدهم وانما اصلاحهم في بيان معنى الوسيلة والتوسل والسجود للانبياء والاولياء.
وبما ان القرآن والسنة يشرح بعضه بعضا. فعلينا الرجوع إلى السنة لنستوضح معنى الوسيلة إلى الله. فقد جاء عن الرسول محمد صلى الله عليه واله وسلم (سلوا الله لي الوسيلة، فإنّها درجةٌ في الجنّة لا ينالها إلّا عبدٌ واحدٌ، وأرجو أن أكون أنا هو) و (من سأل لي الوسيلة حلّت له الشّفاعة). ويتضح من الحديثين الشريفين ان الوسيلة والشفاعة والجنة لها مع بعضها البعض. فشفاعة الرسول صلى الله عليه واله وسلم باب من أبواب الجنة. قال الامام علي عليه السلام عن الاية "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" (المائدة 35) (أنا وسيلته). وبما ان التوسل مشتق من الوسيلة. لذلك التوسل بالرسول واله الاطهار عليهم السلام غرضه ان يشفعوا للعبد عند الله، فان هذا الفعل يجعله الأقرب الى الله تعالى وإلى جنته.
https://telegram.me/buratha