الدكتور فاضل حسن شريف
قال الله تبارك وتعالى "وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ" (البقرة 49) ورد ان صدام فرعون عصره قتل ابناء واقارب ومحبي المرجع الاعلى في وقت الطاغية صدام وهو آية الله العظمى السيد ابو القاسم الخوئي قدس سره، وقد اجبره الطاغية على حضوره الى مكتبه وكان مريضا حيث بعدها بفترة قصيرة توفي رضوان الله عليه.
قام الشيخ عارف البصري خاطباً في الناس بعد وفاة المرجع الاعلى آية الله العظمى السيد محسن الحكيم قدس سره: إن السيد محسن الحكيم آية والله عزوجل قال في كتابه الحكيم "ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها" (البقرة 106) وقطعاً سيأتي الله بآية عوضاً عن السيد. وفي تلك السنة إنبرى للمرجعية خمس مراجع كبار هم السيد الخوئي والسيد الإمام الخميني والسيد السبزواري والسيد الشاهرودي والسيد الشهيد محمد باقر الصدر قدست أسرارهم.
جاء في كتاب الصوم للسيد ابو القاسم الخوئي قدس سره: قوله تعالى: "وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ" (البقرة 187) فهو وان كان ظاهرا في ارادة الاعتكاف الشرعي كما في قوله تعالى: "أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ" (البقرة 125) كيف ولو كانت الآية المباركة ناظرة إلى بيان حكم المسجد من حيث هو مسجد لا إلى بيان حكم الاعتكاف لكان قوله تعالى: "وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ" (البقرة 187) زائدا ولزم الاقتصار على هذا المقدار (ولا تباشروهن في المساجد) كما لا يخفى. الا ان المراد بالمباشرة هو الجماع كما لعله الظاهر من اللفظ عرفا. كيف ولو اريد المعنى الاعم لشمل حتى مثل المخالطة والمحادثة واللمس والتقبيل بغير شهوة ايضا وهو غير محرم قطعا، فيكشف ذلك عن ارادة الجماع خاصة. فلا تدل الآية على حرمة غيره بوجه. بقي شئ وهو انه قد ورد في صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا كان العشر الاواخر اعتكف في المسجد وضربت له قبة من شعر وشمر الميزر وطوى فراشه. وقال بعضهم: واعتزل النساء. فقال أبو عبد الله عليه السلام (ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة [1] فيحرم على المعتكفة ايضا الجماع واللمس والتقبيل بشهوة).
جاء في كتاب التنقيح في شرح العروة الوثقى للمرجع الاعلى السيد ابو القاسم الخوئي قدس سره - الشيخ ميرزا علي الغروي: الصحيح أن يستدلّ في المقام بالسيرة المتحقّقة بين العقلاء الثابتة قبل زمان الشرع والشريعة، فإنّهم قبل الشريعة المقدّسة كانوا يكتفون في معاملاتهم بمجرّد الأخذ والاعطاء من دون إجراء الصيغة بينهم ، كما هو الحال فعلا بين العقلاء غير المسلمين فإنّهم لا يعتبرون الصيغة في المعاملات، وهذه السيرة كانت بمرأى من النبي صلّى الله عليه وآله والأئمّة الأطهار سلام الله عليهم أجمعين ومع ذلك لم يردعوا عنها وهو يكشف عن رضاهم بها كشفاً قطعيّاً ، إذ لولا رضاهم بها لردعوا عنها كغيرها من السيرات العقلائية التي ردع عنها الشارع في موارد كثيرة ، وما يتوهّم أن يكون رادعاً عن السيرة أمران: أحدهما الإجماع على عدم إفادة المعاطاة للملك. وثانيهما: حديث (إنّما يحلّل الكلام ويحرّم الكلام) وسيأتي بطلان كلا الأمرين وعدم صحّة الردع بهما عن قريب إن شاء الله فانتظر. وعليه فلا يحتاج إلى ملاحظة السيرة بعد زمان الأئمّة عليهم السلام ليقال إنّها مخالفة لفتوى الفقهاء المتقدّمين ، لكفاية ثبوتها في زمانهم عليهم السلام مع عدم ردعهم ، وعليه فنسأل عن مدرك الفتاوى . قوله تعالى : "أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ" (البقرة 275) وشيخنا الأنصاري حمل الآية على الحلّية التكليفية، وبما أنّه رأى عدم مناسبتها مع البيع إذ لم يتوهّم أحد حرمة البيع تكليفاً ، غاية الأمر أن يكون فاسداً نظير البيع الغرري فإنّ النهي عنه ليس بمعنى كونه محرّماً تكليفياً بل المراد أنّه فاسد ولا يترتّب عليه الأثر ـ فالتزم بتعلّق الحلّ بالتصرّفات المترتّبة على البيع واقعاً ، وإنّما اُسند إلى البيع لفظاً من باب المجاز في الاسناد لأنّ البيع سبب لها أو من باب المجاز في الحذف ، فاستند في الاستدلال بالآية على صحّة البيع إلى الدلالة الالتزامية، فإنّ جواز جميع التصرفات مستلزم شرعاً لثبوت الملك وصحّة البيع . ثمّ وقع في الإشكال من حيث إنّ جواز التصرّفات تكليفاً لازم أعمّ للملك، ولذا قالوا بثبوته دون الملك ، ولم يتخلّص من الإشكال. والذي ينبغي أن يقال في المقام: إنّ الحلّ في الآية المباركة بما أنّه وقع في مقابل الحرمة في قوله تعالى "وَحَرَّمَ الرِّبَا" (البقرة 275) لم يمكن حمله على الحلول بمعنى القرار والثبوت في مقابل الرحلة والخروج بأن يكون معنى "أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ" (البقرة 275) أقرّ الله البيع وأثبته في مقرّه أي لم يتصرّف فيه برفعه بل أبقاه على حاله من الصحّة والجواز كما ذكره بعض مشايخنا المحقّقين، وذلك لما عرفت من أنّه في مقابل الحرمة في الآية المباركة وليس في مقابل الرحلة ليحتمل حمل الحلّ على الحلول ، بل إنّما هو في مقابل الحرمة كما هو واضح.
https://telegram.me/buratha