الدكتور فاضل حسن شريف
ومن اعمال النبي موسى عليه السلام التطوعية وخاصة للمحتاجين وطالبي المساعدة منها رجل طلب منه المساعدة كما قال الله جلت قدرته "وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ" (القصص 15) فساعده موسى عليه السلام تطوعا فقتل عدو ذلك الرجل الطيب الذي دعاه لمساعدته "فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْه" (القصص 15). وهذه الحالة مثال للمتطوعين الذي يجاهدون في سبيل الله لا يريدون جزاءا ولا شكورا من عملهم انما يكون ذلك لوجه الله تعالى "وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّهِ" (التوبة 20).
جاءت مفردات التطوع في القرآن الكريم كما في: تَطَوَّعَ، يَسْتَطِيعُ، طَوْعًا، اسْتَطَاعَ، يَسْتَطِعْ، تَسْتَطِيعُوا، فَطَوَّعَتْ، اسْتَطَعْتَ، اسْتَطَعْتُمن اسْتَطَعْنَان، الْمُطَّوِّعِينَ، تَسْتَطِيعَ، تَسْتَطِع، تَسْطِع، اسْطَاعُوا، تَسْتَطِيعُونَ. التطوع يحصل عند الاستطاعة كما في الحالة المالية، فكلما كانت استطاعة الشخص المتطوع مثلا ببناء مدرسة عالية كلما كان صفوفها اكثر وهكذا. تعد كفالة الايتام من الاعمال التطوعية التي لها اجر كبير. قال الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم (أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة) وأشار بالسبابة والوسطى. قال الله سبحانه وتعالى "وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ" (البقرة 83)، و "عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ" (البقرة 177).
عن الفضيل بن يسار قال: سألت الباقرعليه السلام عن قول الله عز وجل: "وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ" (المعارج 34) قال: هي الفريضة. قلت: "ٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ دَآئِمُونَ" (المعارج 23) قال: هي النافلة. يقال ان النوافل سياج الفرائض: هذا التفسير فيه معنى عقلي وهو إشارة أنّ الاستمرار والدوام على النافلة من شأنه أن يجعل الإنسان يحافظ على الفريضة، وأنّ التفريط بالنافلة لا يمكّن الإنسان من المحافظة على الفريضة، وبالتالي فمن حافظ على النوافل كان على الفرائض أكثر محافظة، ومن تهاون بها كانت الخطوة التالية إذا تمكّن الكسل منه أن يفرّط بالفرائض. والتطوع هو تعبير اخر للنافلة. فان الابتعاد عن الاعمال التطوعيه يعني الابتعاد عن العمل الصالح، فالايمان بدون عمل صالح يفقد قيمته حيث ورد في آيات عديدة اقتران الايمان بالعمل الصالح قال الله تعالى "ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰاتِ" (الرعد 29).
وفي التطوع قد تخسر مال ولكن خسارة الدنيا لا شئ بالنسبة لخسارة الاخرة "قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" (الزمر 15) يتمنى الانسان ان يخسر كل شئ في الدنيا ليربح الاخرة. وترى المتطوع يتمنى ظهور المهدي عجل الله فرجه الشريف ليحصل اعلى مراتب ثواب التطوع في خدمته. عن المفضل بن عمر قال: سألت الصادق عليه السلام عن سورة العصر. فقال: والعصر عصر خروج القائم عليه السلام، إن الإنسان لفي خسر والخسر خسران أعدائه، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات والمؤمنون الصالحون أصحاب القائم عليه السلام من الخسران مبرؤون، وتواصوا بالحق وتواصوا بالقول بالإمامة، وتواصوا بالصبر وصبروا في أيام الفترة. ان هي اداة تأكيد، و ال التعريف في الانسان يعني كل نفس بشرية مؤمنة وغير مؤمنة حيث في القيامة او يوم التغابن يقول الانسان لماذا لا اعمل حتى اصل الى مراتب الجنة. الخاسر يعني تقصير في العمل. لماذا تركنا عمل الفجر والعصر والليل. فترى الكبير في العمر مستمر في العطاء مهما كان بسيطا فهو له حساب في الميزان وخاصة الاعمال التطوعية الخيرية "وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ" (النور 15) و "إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ" (العصر 3) والصالحات هنا الصغيرة والكبيرة فهي تدخل في الحساب.
ومن الاعمال التطوعية الخيرية نشر العلم كما جاء في الحديث (خَيرُكُم من تعلَّمَ القرآنَ وعلَّمَهُ) او (خيركم من تعلم العلم وعلمه). ونشر العلم يشمل التدريس وتوزيع الكتب وبناء المدارس والمساجد ودعم الاعلام. ومن تطبيقات التطوع الخيري الشفاعة الحسنة كما قال الله تعالى "مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّن" (النساء 85). قال الله سبحانه وتعالى "وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ" (النمل 73) ورد ان الحمد هو ما يحمد عليه لامر اختياري او تطوعي بينما الشكر يقدم لخدمة واجبة. ان الاسلام دين اجتماعي يدعو الى المعروف والاصلاح بين افراد المجتمع كما قال الله جل جلاله "لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيمًا" (النساء 114) بدون اجر مقابل العمل انما مرضات لله سبحانه " إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا" (الانسان 9).
من الاحاديث النبوية عن التطوع (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربه من كرب الدنيا فرج الله عنه كر به من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلما سترة الله يوم القيامة) فعند حصول التطوع مثل التبرع يقل الظلم في المجتمع ويفرج عنه بالتنفيس عن كربات الدنيا التي سيعوضها الله تعالى للمتبرع في تنفيس كرباته يوم القيامة. قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله أو القائم الليل الصائم النهار). ومن الاحاديث النبوية الشريفة التي تحث على التطوع (كل سلامي من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين أثنين صدقة، تعين الرجل على دابته فتحمله عليها أو ترفع عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة).
والعمل الخيري الذي يقوم به العبد سيجازيه الله تعالى كما قال عز من قائل "وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ" (البقرة 110). والتطوع في اعانة ومساعدة المعاقين له اجر كبير. قال الله سبحانه وتعالى "وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا" (النساء 5)، و "وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ" (ال عمران 49). وعن ابواب الخير يقول الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم (تصنع لأخرق) والخرق نوع من الاعاقة العقلية.
https://telegram.me/buratha