الدكتور فاضل حسن شريف
يرد الشيخ جلال الدين الصغير على المنحرفين في تفسير آية "وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ" (الرعد 43): قال السيد حسين فضل الله في معرض تفسيره لهذه الآية: (وقد اختلف المفسرون في شخصية هذا الذي كان على بينة من ربه، هل هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أو المؤمنون الذين كانوا معه، أو جميع المؤمنين، وعن طبيعة هذه البينة، هل هي القرآن أو العقل والوجدان، أو شئ أخر غير ذلك، وفي شخصية الشاهد هل هو القرآن، أو جبرائيل أو الإمام علي أو غير ذلك من الاحتمالات كما تعددت الروايات فيه مما لا يمكن الركون إليها لخلل في سند بعضها، وارتباك في مضمون البعض الآخر، ولا نجد في هذا المجال أوثق من عدم الخوض في ذلك). وفي قوله هذا محطات ينبغي أن تستوقفنا، ومن جملتها: أ - إن الاضطراب الذي تعرض لذكره لا يعني رواية أهل البيت عليهم السلام فهي متفقة شكلا ومضمونا كما رأيناه، وإنما هذا الأمر يتعلق برواية العامة، وهي ليست حجة في نفسها، فكيف يمكن أن تكون حجة في ترك رواية أهل البيت عليهم السلام؟. ب - إن الروايات العامية التي تعرضت للإمام علي عليه السلام في هذا المجال لا تعاني مما أسماه بالخلل والارتباك، واختلاف جملها وتعدد مصادرها، إنما يشير إلى الاستفاضة في رواية الخبر من جهة، وتعدد المواضع التي قيلت فيه. ج - إن الاضطراب الذي اشتملت عليه روايات العامة كان في محاولة ذود تفسير الآية بعيدا عن الإمام علي عليه السلام، وهو أمر اعتدنا عليه مع كل الآيات التي نزلت بحق أمير المؤمنين عليه السلام، ولو سرنا مع هذه الروايات وجعلناها في نفس مرتبة روايات أهل البيت عليهم السلام، فمما لا شك فيه أننا سوف نسقط كل رواية لأهل البيت عليهم السلام بحجة وجود معارض لها. د - إننا هنا نلمس وللمرة الثانية في هذا البحث جفاء تيار الانحراف لرواية أهل البيت عليهم السلام وبعده عنها، وهذا ما يدفعنا للتساؤل من جديد عن طبيعة إيمان هؤلاء بخط أهل البيت عليهم السلام، فلو كانوا مؤمنين حقا بهم، فلم إعمال نفس حجج مخالفيهم على رواياتهم، وهذه الحجج ليست في مصاف الحجج الموضوعية القابلة للتحاجج، وإنما في معظمها الأغلب من بنات أكاذيب السياسة والطائفية، ولا تخفى على ذي لب، وكان بإمكانهم ترك الحديث على الأقل عن البعد الروائي في الآية، أما ترك رواية أهل البيت عليهم السلام، والتحاجج بما لدى أهل العامة من أخبار متعارضة، فعلى أي مستوى يمثل إيمانا بمدرسة أهل البيت عليه السلام. وهل سيكون ادعاء البعض بإيمانهم بهذا الخط، بل وبزعامة هذا الخط، إلا أكذوبة من أكاذيب أم عمرو؟.
يقول الشيخ جلال الدين الصغير عن الامة الوسط قائلا: الأمة الوسط.. إخفاق أخر لخط الانحراف تقدم الآية الكريمة: "وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا" (البقرة 143) شاهدا آخرا على أن دور الشهادة دور رباني خصه لأهل بيت النبوة عليهم السلام دون غيرهم من الناس، ومع هذه الآية نجد وللمرة الثالثة تعاضد خط الانحراف على السير بعيدا عن هدى أهل البيت عليهم السلام، وعمله بمعتقدات أهل العامة، فعلى الرغم من كثرة الأحاديث الصحيحة والموثوقة الواردة عنهم صلوات الله عليهم وتأكيدهم على اختصاص الوسطية والشهادة لهم دون غيرهم، عملا بالوصية المعروفة أيام السقيفة: وسعوها تتسع فأخرجها من إطار أهل البيت عليهم السلام، وأحالها على عناوين لا تصلح للشهادة على نفسها فضلا عن غيرها، وفي بحثنا الروائي المقتضب هنا عمق التناقض الذي اختطه داعية الانحراف لتيار الانحراف مع مدرسة أهل البيت عليهم السلام في إطلاق مفهوم الشاهدية بعيدا كل البعد عن كل التأكيدات الإمامية بتخصيص الوسطية والشاهدية بأهل البيت عليهم السلام، فمن جملة روايات أهل البيت عليهم السلام في هذا المجال صحية الحسين بن محمد، عن المعلى بن محمد، عن الحسن بن علي الوشاء، عن أحمد بن عائذ، عن عمر بن أذينة، عن بريد العجلي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل "وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ" (البقرة 143)قال: نحن الأمة الوسطى، ونحن شهداء الله على خلقه وحججه في أرضه، قلت: قول الله عز وجل "مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ" (الحج 78) قال: إيانا عنى خاصة "هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ" (الحج 78) في الكتب التي مضت "وَفِي هَٰذَا" (الحج 78) القرآن "لِيَكُونَ الرَّسُولُ" (الحج 78) عليكم شهيدا، فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الشهيد علينا بما بلغنا عن الله عز وجل ونحن الشهداء على الناس، فمن صدق صدقناه يوم القيامة، ومن كذب كذبناه يوم القيامة.
ويستطرد الشيخ الصغير عن الامة الوسط: وفي صحيحة علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن بريد العجلي قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: قول الله تبارك وتعالى "وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا" (البقرة 143) قال: نحن الأمة الوسطى، ونحن شهداء الله تبارك وتعالى على خلقه، وحججه في أرضه، قلت: قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ۚ هُوَ اجْتَبَاكُمْ" (الحج 77-78) قال: إيانا عنى، ونحن المجتبون، ولم يجعل الله تبارك وتعالى "فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ" (الحج 78) الحرج أشد من الضيق "مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ" (الحج 78) قال: إيانا عنى خاصة و "سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ" (الحج 78) الله سمانا المسلمين "مِن قَبْلُ" (الحج 78) في الكتب التي مضت "وَفِي هَٰذَا" (الحج 78) القرآن "لِيَكُونَ الرَّسُولُ" (الحج 78)عليكم شهيدا تكونوا شهداء على الناس، فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الشهيد علينا بما بلغنا عن الله تبارك وتعالى، ونحن الشهداء على الناس، فمن صدق صدقناه يوم القيامة، ومن كذب كذبناه. وفي صحيحة علي بن إبراهيم، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن سليم بن قيس الهلالي، عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه قال: إن الله تبارك وتعالى طهرنا وعصمنا وجعلنا شهداء على خلقه وحجته في أرضه، وجعلنا مع القرآن، وجعل القرآن معنا، لا نفارقه ولا يفارقنا.
https://telegram.me/buratha