الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في كتاب من عنده علم الكتاب للشيخ جلال الدين الصغير: ونقل الحبري عن إسماعيل بن صبيح قال: حدثنا أبو الجارود، عن حبيب بن يسار، عن زاذان قال: سمعت عليا عليه السلام يقول: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لو كسرت لي وسادة وأجلست عليها لحكمت بين أهل الزبور بزبورهم، وبين أهل الفرقان بفرقانهم، بقضاء يزهر يصعد إلى الله. والله ما نزلت آية في ليل أو نهار، لا سهل ولا جبل ولا بر ولا بحر، إلا وقد عرفت أي ساعة نزلت وفي من نزلت. ما من قريش رجل جرت عليه المواسي إلا أنا أعرف، آية تسوقه إلى جنة، وآية تسوقه إلى نار. فقام رجل: ما آيتك يا أمير المؤمنين التي نزلت فيك؟ قال: "أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ" (هود 17) فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على بينة من ربه، وأنا الشاهد منه أتلوه واتبعه. وقد روت العامة بطرق كثيرة مختلفة نزولها بحق أمير المؤمنين عليه السلام فلقد روى الطبري عن عبد الله بن يحيى قال: قال علي رضي الله عنه: ما من رجل من قريش إلا وقد نزلت فيه الآية والآيتان فقال له رجل: فأنت فأي شئ نزل فيك؟ فقال علي: أما تقرأ الآية التي نزلت في هود: "وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ" (هود 17). وقد أخرج السيوطي عن ابن أبي حاتم، وابن مردويه، وأبي نعيم في المعرفة، وعنه عن ابن مردويه وابن عساكر، وعنه، عن ابن مردويه بسند آخر أنه علي عليه السلام. وروى الخازن في تفسيره عن جابر بن عبد الله عين رواية عبد الله بن يحيى المتقدمة. وروى الجوزي في زاد المسير: أنه علي عليه السلام. ونقل القرطبي عن ابن عباس أنه علي، وكذا روى رواية عبد الله بن يحيى المتقدمة بدون إسناد. وقال الرازي: وثالثها: أن المراد هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه والمعنى أنه يتلو تلك البينة وقوله: "مِّنْهُ" أي هذا الشاهد من محمد وبعض منه، والمراد منه تشريف هذا الشاهد بأنه بعض من محمد عليه السلام. وتابعه النيسابوري على ذلك. وذكر نفس هذه المعاني الآلوسي في روح المعاني مسندا إلى ابن أبي حاتم، وابن مردويه، وكذا إلى المنهال عن عبادة بن عبد الله، وأخرج عن ابن مردويه بطريق أخر. وقال صاحب تفسير المنار: ومنها أنه علي رضي الله عنه يرويه الشيعة. وقوله: يرويه الشيعة، قوله معتادة منه وستعلم أن أغلب ما رواه رواة أهل البيت عليهم السلام إنما كان عن طرق العامة.
ويستطرد الشيخ الصغير عن روايات العامة: أما ما روته كتب حديث العامة المختصة فلقد روى الحمويني في فرائد السمطين ونقلها عنه القندوزي الحنفي حيث أخرج بسنده عن ابن عباس وبسنده عن زادان، عن علي كرم الله وجهه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ" (هود 17)، وأنا التالي الشاهد منه، وكذا أخرجه بسنده عن جابر بن عبد الله، عن علي، وبسنده عن البحتري، عن علي بلفظه، وأخرجه موفق بن أحمد بسنده عن ابن عباس وأيضا أو نعيم والثعلبي والواقدي بأسانيدهم عن ابن عباس وزاذان وجابر كلهم عن علي. ثم روى عن عباد بن عبد الله رواية مقاربة لرواية عبد الله بن يحيى المتقدمة. وذكر سبط ابن الجوزي عن الثعلبي في تفسيره عن ابن عباس: أنه علي عليه السلام ومعنى "يَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ" (هود 17) أنه أقرب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. ثم نقل عن الثعلبي رواية زاذان المتقدمة. ونقل المتقي الهندي في كنز العمال ما يقرب من روايتي زاذان وعبد الله بن يحيى وقريب منه ابن عساكر في تأريخ دمشق ونقل الحسكاني في شواهد التنزيل العديد من الروايات المقاربة لفظا ومعنى. ونقل الموفق بن أحمد الخوارزمي في مناقبه عن ابن عباس قوله: هو علي عليه السلام شهد للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو منه. ونقل ابن المغازلي الشافعي بإسناده عن المنهال بن عمرو، عن عباد بن عبد الله قال: سمعت عليا وساق الحديث كما ذكره زاذان في الرواية المتقدمة. على أننا نلمس من مفاد روايات أخرى وكما هو واقع الحال تعميم فكرة الشهادة لكل أئمة أهل البيت عليهم السلام، ففي معتبرة علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن يحيى بن أبي عمران، عن يونس، عن أبي بصير، والفضيل، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إنما نزلت "أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ" (هود 17) يعني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ" (هود 17) إماما ورحمة.
يقول الشيخ جلال الدين الصغير: وروى الطبرسي بإسناده إلى أمير المؤمنين قوله: وأما قوله: "وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ" (هود 17) فذلك حجة الله أقامها على خلقه، وعرفهم أنه لا يستحق مجلس النبي إلا من يقوم مقامه، ولا يتلوه إلا من يكون في الطهارة مثله، لئلا يتسع لمن ماسه حس الكفر في وقت من الأوقات انتحال الاستحقاق بمقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وليضيق العذر على من يعينه على إثمه وظلمه، إذ كان الله قد حظر على من ماسه الكفر تقلد ما فوضه إلى أنبيائه وأوليائه، بقوله لإبراهيم: "لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ" (البقرة 124) أي المشركين، لأنه سمى الظلم شركا بقوله: "إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ" (لقمان 13) فلما علم إبراهيم عليه السلام أن عهد الله تبارك وتعالى اسمه بالإمامة لا ينال عبدة الأصنام، قال: "وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ" (ابراهيم 35). واعلم أن من آثر المنافقين على الصادقين، والكفار على الأبرار، فقد افترى إثما عظيما، إذا كان قد بين في كتابه الفرق بين المحق والمبطل، والطاهر والنجس، والمؤمن والكافر، وأنه لا يتلو النبي عند فقده إلا من حل محله صدقا وعدلا وطهارة وفضلا.
https://telegram.me/buratha