الدكتور فاضل حسن شريف
يقول الشيخ جلال الدين الصغير كاشفا عن المنحرفين: إن ما حدث لا ريب في أنه مؤلم للغاية، ولا أعلم أن مراجع الطائفة المحقة أعلى الله مقامهم الشريف حكمت على أحد بالخروج من المذهب وأعلنت انحرافه عنه، كما أعلنت هنا، ولربما تكون هذه الحالة هي الحالة الوحيدة التي يتم الإعلان عنها، ولكن حالة الانحراف هذه ليست بالأمر المستغرب، فلقد تحدث القرآن عن انحراف إبليس وهو الذي كان يسمى بطاوس المتعبدين، وكذا تحدث عن حالة انحراف بلعم بن باعوراء حيث قال: "وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ" (الاعراف 175) وقوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ" (التوبة 34). إن الانحراف حالة مرضية يمكن أن تصاب بها كل الكيانات غير المعصومة، وخط الانحراف يبدأ ضيقا حتى إذا ما بلغ أشده بان على حقيقته، وما أصدق كلام أمير المؤمنين عليه السلام حينما قال في صحيحة ثقة الإسلام الكليني موضحا حقيقة الانحراف وبدء دبيبه في كيان الأشخاص والأمم: أيها الناس إنما بدء وقوع الفتن أهواء تتبع، وأحكام تبتدع، يخالف فيها كتاب الله، يتولى فيها رجال رجالا، فلو أن الباطل خلص لم يخف على ذي حجى، ولو أن الحق خلص لم يكن اختلاف، ولكن يأخذ من هذا ضغث، ومن ذاك ضغث، فيمزجان فيجيئان معا فهنالك استحوذ الشيطان على أوليائه، ونجا الذين سبقت لهم من الله الحسنى. أما كيف نتخلص من ذلك فلن يكون إلا من خلال الحذر الشديد والورع الكبير في التعامل مع مسائل الدين وعقائده، ولن يتم ذلك إلا من خلال الرجوع لأهل البيت عليهم السلام فما جاءنا منهم بقول صحيح تعبدنا به، وما جاء عن غيرهم مخالفا لهم رددناه وكفرنا به، كائنا من كان قائله والملتزم به، فالحق هو الذي يعرف الرجال، ولا يعرف الحق بالرجال كائنا من كانوا، فيما خلا أهل بيت العصمة والطهارة فهم مرجع الدين وهم الملاذ من الفتن والبدع، وما أحسن قول الصادق من آل محمد عليه السلام حينما قال بشأن التنازع على أمر ما، بأن يتم التحاكم إلى: من كان منكم ممن قد روى حديثنا فإني قد جعلته عليكم حاكما فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه، فإنما استخف بحكم الله وعلينا رد، والراد علينا الراد على الله وهو على حد الشرك.
ويختتم الشيخ جلال الدين الصغير كتابه من عنده علم الكتاب قائلا: عصمنا الله وإياك عزيزي القارئ من الضلالة والتخبط بنار الفتن، وجعلنا من المتمسكين بشرعة آل محمد عليهم السلام، وأستميحك في الختام العذر فيما إذا بدر مني هفوة أو زلة، وشفيعي في الاعتذار أن غايتي أن أسهم في الرد عن آل محمد عليهم السلام ظلامة لحقت بهم أثارتها عليهم نار الجهل والغرور. اللهم إني أشهدك وكفى بك عالما وشهيدا أنه ما كان مني في التصدي لموجة الضلال هوى في دنياهم، ولا طمعا في وجاهتهم، ولا حسدا مني لمالهم، ولا إحنة على أشخاصهم، وإنما كان الذي كان مني تعبدا بالولاء لعقيدة آل محمد عليهم السلام خالصة لهم دون سواهم ورائدي في ذلك يا رب قول دعاة الهدى: "وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ" (الاعراف 164). اللهم إن كنت تعلم صدقي فيما أشهدك به فأعني منك بحول وقوة، فإن المستجير بغيرك خائب، واللائذ بسواك مخذول، والمستعين بغيرك بائر، أنت الهادي لطريق الهدى والموفق لنهج الحق عليك توكلت وإليك مآب.
https://telegram.me/buratha