الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في كتاب البيان في تفسير القرآن للسيد ابو القاسم الخوئي قدس سره: إن لفظ اليوم قد يطلق ويراد منه سواد الليل مع نهاره ، وعليه جاء قوله تعالى: "وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً" (البقرة 51). واستعمال لفظي الليل والنهار في هذين المعنيين كثير جدا ، وقد استعملا على المعنى مجموع بياض النهار وسواد النهار فلا مناقضة.
جاء في كتاب الفقاهة للسيد ابو القاسم الخوئي قدس سره: ما ذكره صاحب المصباح من أن الاصل في البيع مبادلة مال بمال فلا يكون دليلا على ذلك لعدم حجية قوله. وعلى هذا فإذا كان المبيع موردا لغرض المشتري سواء أكان مالا عند العقلاء أم لا كالحشرات واشتراه بأغلى الثمن صدق عليه مفهوم البيع. وهذا بين لا ريب فيه. غاية ما يلزم كون المعاملة على ما ليس بمال عرفا سفهية. ولا دليل على بطلانها بعد ما شملته أدلة صحة البيع. والفاسد شرعا إنما هو معاملة السفيه والدليل على الفساد فيها أن السفيه محجور شرعا عن المعاملات وإذن فلا وجه لاخذ قيد المال في تعريف البيع. قيل: إذا تعلق غرض المشتري باشتراء مالا يعد مالا في نظر أهل العرف كان ذلك الغرض موجبا لعروض المالية له. لما عرفته آنفا من أن مالية الاشياء متقومة بنظر العقلاء، ورغبتهم فيها. ومن البديهي أن المشتري من أفرادهم. والجواب عن ذلك: أن مالية الاشياء وإن كانت متقومة برغبة العقلاء وتنافسهم فيها إلا أن المراد من العقلاء نوعهم، دون الشخص الواحد. ولاجل ذلك أن من اعتبر المالية في البيع فقد رتب على اعتباره هذا فساد بيع الحيات والعقارب والديدان والخنافس، وأشباهها من هوام الارض وصغار دوابها، وغير ذلك مما لا يعد مالا في نظر نوع العقلاء وإن كان ذا رغبة لدى بعضهم لغرض ما. ويضاف إلى ذلك أنا لو سلمنا وجود الدليل على اعتبار المالية في البيع. إلا أن ذلك حكم شرعي غير مربوط بمفهوم البيع حتى يؤخذ في تعريفه. ولو صح أخذ ذلك في تعريف البيع لحسن بنا أن نأخذ أحكام البيع برمتها في تعريفه. مع أنه واضح الفساد. ثم لا يخفى على الفطن العارف أن مفهوم البيع لا يتحقق إلا بدخول العوض في ملك من خرج المعوض عن ملكه: بان يفك البائع اضافته القائمة بالمتاع، ويجعلها قائمة بالثمن. ويفك المشتري اضافته القائمة بالثمن، ويجعلها قائمة بالمتاع. ومثال ذلك أنه إذا باع زيد طعامه من عمرو بدينار صار الدينار ملكا لزيد. ولو صار الدينار ملكا لبكر لما صدق عليه مفهوم البيع بوجه. ويستوضح هذا المعنى من الكتاب العزيز ومن كلمات الفصحاء. قال الله تعالى: "وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ" (البقرة 102) إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة الظاهرة في أن دخول العوض مكان المعوض معتبر في مفهوم البيع، والشراء.
جاء في كتاب الاجتهاد والتقليد للسيد ابو القاسم الخوئي: يقال: إذا لست بطبيب فراجع الطبيب في العلاج. فان المتفاهم العرفي من مثله أن الغاية من الامر بالمراجعة انما هو العمل على طبق قول الطبيب لا أن الغاية صيرورة المريض طبيبا وعالما بالعلاج حتى يعمل على طبق علمه ونظره فقوله: راجع الطبيب، معناه راجعه لتعمل على نظره لا لتكون طبيبا وتعمل بعلمك. إذا معنى الآية المباركة: أنه إذا لستم بعالمين فسألوا أهل الذكر للعمل على طبق قولهم وجوابهم، فلا مناقشة في دلالة الآية المباركة من هذه الجهة. وقد يتوهم: أن تفسير أهل الذكر في الاخبار باهل الكتاب أو الائمة عليهم السلام ينافي الاستدلال بها على جواز التقليد ورجوع الجاهل إلى العالم والفقيه في الاحكام. ويندفع: بأن ورود آية في مورد لا يقتضى اختصاصها بذلك المورد. والآية المباركة قد تضمنت كبرى كلية قد تنطبق على أهل الكتاب وقد تنطبق على الائمة عليهم السلام وقد تنطبق على العالم والفقيه وذلك حسبما تقتضيه المناسبات على اختلافها باختلاف المقامات فان المورد إذا كان من الاعتقاديات كالنبوة وما يرجع إلى صفات النبي ص فالمناسب السؤال عن علماء اهل الكتاب لعلمهم باثارها وعلاماتها، كما أن المورد لو كان من الاحكام الفرعية فالمناسب الرجوع فيه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو الائمة عليهم السلام، وعلى تقدير عدم التمكن من الوصول إليهم فالمناسب الرجوع إلى الفقهاء. وعلى الجملة تضمنت الآية المباركة كبرى رجوع الجاهل إلى العالم المنطبقة على كل من اهل الكتاب وغيرهم فالاستدلال بها من تلك الناحية أيضا مما لا خدشة فيه هذا. ولكن الصحيح أن الآية المباركة لا يمكن الاستدلال بها على جواز التقليد وذلك لان موردها ينافي القبول التعبدى حيث أن موردها من الاصول الاعتقادية. وهو رد لا ستغرابهم تخصيصه سبحانه رجلا بالنبوة من بينهم فموردها النبوة ويعتبر فيها العلم والمعرفة ولا يكفى فيها مجرد السؤال من دون أن يحصل به الاذعان فلا مجال للاستدلال بها على قبول فتوى الفقيه تعبدا من دون أن يحصل منها العلم بالمسألة. الايات الناهية عن التقليد ثم إن هناك آيات وردت في النهى عن التقليد وذمه كقوله عزمن قائل: "وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ" (البقرة 170) وغير ذلك من الآيات. إلا أنها اجنبية عما نحن بصدده فان محل الكلام انما هو التقليد في الاحكام.
https://telegram.me/buratha