الدكتور فاضل حسن شريف
قال الله جل جلاله "وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَّا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ۗ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ" ﴿آل عمران 75﴾ تأمنه: تأمن فعل، الهاء ضمير، و "وَإِن كُنتُمْ عَلَىٰ سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ ۖ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ ۗ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ ۚ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ" ﴿البقرة 283﴾ اؤتمن فعل، امانته: امانة اسم، الهاء ضمير، إشارة إلى القروض المالية التي يقرضها المسلم لأخيه المسلم من دون كتابة وثيقة أو تأمين وديعة ورهن، أو إنّها إشارة إلى الأموال التي توضع لدى الشخص بعنوان الرهن، أو كليهما و "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا" ﴿النساء 58﴾ الامانات: حقوق الله و حقوق العباد، الأمانة بمفهومها العام تشمل جميع المقامات والمناصب الاجتماعية التي تعتبر أمانات إلهية، وكذلك أمانات بشرية من قبل الناس بيد أصحاب المناصب هذه، و "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ" ﴿الأنفال 27﴾ اماناتكم: امانات اسم، كم ضمير، وخيانة الرّسول تتمثّل في عصيان أمانة الإسلام بالدعوة والجهاد بعد رحيله صلى الله عليه وآله وسلم و "وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ" ﴿المؤمنون 8﴾ لاماناتهم: اللام حرف جر، امانات اسم، هم ضمير، مفهوم الأمانة في هذه الآية لا يقتصر على الأمانة المالية، بل يشمل الأمانات المعنوية، كالقرآن الكريم والدين الإلهي والعبادات والوظائف الشرعية، وكذلك النعم الإلهية المختلفة على الإنسان في حركة الحياة المادّية والمعنوية. و "إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا" ﴿الأحزاب 72﴾ الأمانة: اختلفوا فيها، ومما قالوه: إنها كلمة التوحيد، أو العدالة، أو الطاعة، أو العبادة، أو عمل الفرائض، أو العقل، عرضنا الامانة اي التكاليف من أوامر ونواهٍ وهي طاعة الله في الأمر والنهي ، و "وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ" ﴿المعارج 32﴾ مفهوم الأمانة في هذه الآية لا يقتصر على الأمانة المالية، بل يشمل الأمانات المعنوية، كالقرآن الكريم والدين الإلهي والعبادات والوظائف الشرعية، وكذلك النعم الإلهية المختلفة على الإنسان في حركة الحياة المادّية والمعنوية.
جاء في شواهد التنزيل عن الحاكم الحسكاني البلد الامين في "وَهَـٰذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ" ﴿التين 3﴾ هو رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم. وعن الامام الكاظم عليه السلام "وَهَـٰذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ" ﴿التين 3﴾ رسول اللّه، هو سبيل آمن اللّه به الخلق في سبلهم. وجاء في الفصول المهمة في أصول الأئمة للشيخ حرّ العاملي: عَنْ أَبِي الْحَسَنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عليه السلام، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ آبَائِهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ اخْتَارَ مِنَ الْبُلْدَانِ أَرْبَعَةً فَقَالَ: وَ التِّينِ وَ الزَّيْتُونِ وَ طُورِ سِينِينَ وَ هٰذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ التِّينُ، الْمَدِينَةُ وَ الزَّيْتُونُ، بَيْتُ الْمَقْدِسِ وَ طُورُ سِينِينَ، الْكُوفَةُ وَ الْبَلَدُ الْأَمِينُ، مَكَّةُ.
جاء في الميزان في تفسير القرآن للعلامة الطباطبائي: قوله تعالى: "قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ" (القصص 26) إطلاق الاستيجار يفيد أن المراد استخدامه لمطلق حوائجه التي تستدعي من يقوم مقامه وإن كانت العهدة باقتضاء المقام رعي الغنم. وقوله : "إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ" (القصص 26)، في مقام التعليل لقوله: "اسْتَأْجِرْهُ" وهو من وضع السبب موضع المسبب والتقدير استأجره لأنه قوي أمين وخير من استأجرت هو القوي الأمين. وفي حكمها بأنه قوي أمين دلالة على أنها شاهدت من نحو عمله في سقي الأغنام ما استدلت به على قوته وكذا من ظهور عفته في تكليمهما وسقي أغنامهما ثم في صحبته لها عند ما انطلق إلى شعيب حتى أتاه ما استدلت به على أمانته. وقوله: "نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ" (الشعراء 193) الباء للتعدية أي نزله الروح الأمين وأما قول من قال : إن الباء للمصاحبة والمعنى نزل معه الروح فلا يلتفت إليه لأن العناية في المقام بنزول القرآن لا بنزول الروح مع القرآن.والضمير في "نَزَلَ بِهِ" للقرآن بما أنه كلام مؤلف من ألفاظ لها معانيها الحقة فإن ألفاظ القرآن نازلة من عنده تعالى كما أن معانيها نازلة من عنده على ما هو ظاهر قوله: "فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ" (القيامة 18)، وقوله: "تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ" (ال عمران 108) (الجاثية 6)، إلى غير ذلك. فلا يعبأ بقول من قال: إن الذي نزل به الروح الأمين إنما هو معاني القرآن الكريم ثم النبي صلى الله عليه وآله كان يعبر عنها بما يطابقها ويحكيها من الألفاظ بلسان عربي. والمراد بالقلب المنسوب إليه الإدراك والشعور في كلامه تعالى هو النفس الإنسانية التي لها الإدراك وإليها تنتهي أنواع الشعور والإرادة دون اللحم الصنوبري المعلق عن يسار الصدر الذي هو أحد الأعضاء الرئيسة كما يستفاد من مواضع في كلامه تعالى ، كقوله : "وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ" (الاحزاب 10)، أي الأرواح، وقوله: "فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ" (البقرة 283)، أي نفسه إذ لا معنى لنسبة الإثم إلى العضو الخاص. ولعل الوجه في قوله : "نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلى قَلْبِكَ" (الشعراء 193-194) دون أن يقول: عليك هو الإشارة إلى كيفية تلقيه صلى الله عليه وآله القرآن النازل عليه، وأن الذي كان يتلقاه من الروح هو نفسه الشريفة من غير مشاركة الحواس الظاهرة التي هي الأدوات المستعملة في إدراك الأمور الجزئية. فكان صلى الله عليه وآله يرى ويسمع حينما كان يوحى إليه من غير أن يستعمل حاستي البصر والسمع كما روي أنه كان يأخذه شبه إغماء يسمى برجاء الوحي. فكان صلى الله عليه وآله يرى الشخص ويسمع الصوت مثل ما نرى الشخص ونسمع الصوت غير أنه ما كان يستخدم حاستي بصره وسمعه الماديتين في ذلك كما نستخدمهما.
جاء في معاني القرآن الكريم: أمن أصل الأمن: طمأنينة النفس وزوال الخوف، والأمن والأمانة والأمان في الأصل مصادر، ويجعل الأمان تارة اسما للحالة التي يكون عليها الإنسان في الأمن، وتارة اسما لما يؤمن عليه الإنسان، نحو قوله تعالى: "وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ" ﴿الأنفال 27﴾، أي: ما ائتمنتم عليه، وقوله: "إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ" ﴿الأحزاب 72﴾ قيل: هي كلمة التوحيد، وقيل: العدالة، وقيل: حروف التهجي، وقيل: العقل، وهو صحيح فإن العقل هو الذي بحصوله يتحصل معرفة التوحيد، وتجري العدالة وتعلم حروف التهجي، بل بحصوله تعلم كل ما في طوق البشر تعلمه، وفعل ما في طوقهم من الجميل فعله، وبه فضل على كثير ممن خلقه. ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تعبير شديد، حيث قال: (لا تَنظُروا إلى كَثْرَةِ صَلاتِهِم وَصَومِهِم وَكَثْرَةِ الحَجِّ وَالمَعرُوفِ وَطَنطَنَتِهِم بِالَّليلِ، وَلَكِنْ اُنظُرُوا إِلى صِدقِ الحَدِيثِ وَأَداءِ الأَمـانَةِ)، و (أَربَعٌ لا تَدخُلِ بَيتاً وِاحُدَةٌ مِنهُنَّ إلاّ خَرِبَ وَلَم يَعمُرْ بِالبَرَكَةِ: الخِيانَةِ والسَّرقَةُ وَشُربُ الخَمرِ والزِّنـا). رُوي عن الإمام الصادق عليه السلام قوله (إنّ اللهَ عَزَّوَجَلَّ لَم يَبعَثً نَبِيّاً إلاّ بِصِدقِ الحِدِيثِ وَأَداءِ الأَمـانَةِ إِلىَ البِرِّ وَالفـاجِرِ).
https://telegram.me/buratha