الصفحة الإسلامية

الكلمات المتشابه في القرآن الكريم (العقوبة و النقمة او العقاب و الانتقام) (ح 2)


الدكتور فاضل حسن شريف

قال الله تبارك وتعالى "وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ ۗ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَىٰ ظُلْمِهِمْ ۖ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ" ﴿الرعد 6﴾ إن العقاب حق الله تعالى، وله أن يعاقب العصاة كما أوعد، وله أن يعفو عنهم من باب التفضّل، و "غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ ۖ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ" ﴿غافر 3﴾ إنَّ أصل استحقاق العقاب ودوامه أو انقطاعه يُعلم عن طريق الدليل الشرعي دون الدليل العقلي، و "ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ ۚ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ" ﴿غافر 22﴾، و "ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۖ وَمَن يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ" ﴿الحشر 4﴾، و "مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ ۚ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ" ﴿الحشر 7﴾ لا يكون العقاب لأهل الطاعة والخير ولكن لأهلُ الضلال والانحراف. وردت العقوبة ومشتقاتها في القرآن الكريم: الْعِقَابِ، عِقَابِ، عَاقَبْتُمْ، فَعَاقِبُوا، عُوقِبْتُم، عَاقَبَ، عُوقِبَ، فَعَاقَبْتُمْ.

جاء في الموسوعة الحرة: الانتقام أو الثأر هو عمل ضار ضد شخص أو مجموعة ما، استجابة لمظلمة حقيقية أو متصورة. والانتِقَام لغةً: مصدر انتقم، وأصل هذه المادة يدلُّ على إنكارِ شيءٍ وعَيبه، يقال: لم أَرْض منه حتى نَقِمْت وانتَقَمْت، إذا كافأَه عقوبةً بما صنَع. والنِّقْمَةُ العقوبة، وانْتَقَمَ الله منه أي: عاقَبَه، والاسم منه: النَّقْمة، ونَقَمْت ونَقِمْتُ: بالَغْت في كراهة الشَّيء. والانتِقَام اصطلاحًا هو: إنزال العقوبة مصحوبًا بكراهية تصل إلى حدِّ السَّخط. وقال أبو هلال العسكري: (الانتِقَام: سَلْبُ النِّعمة بالعذاب). والفرق بين الانتقام والعقاب: أن الانتِقَام: سَلْبُ النِّعمة بالعذاب، والعقاب: جزاء على الجُرم بالعذاب، لأنَّ العقاب نقيض الثَّواب، والانتِقَام نقيض الإنعام.

شجع الإسلام على التعليم، فجعل كتمان العلم بكل صنوفه جالبًا للعن والنقمة، قال تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا" (البقرة 159-160)، ويقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (مَن سُئِل عن علم ثم كتمه ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار). ورد في مدح العلماء: بقاؤهم وكثرتهم نعمة، وذهابهم وقِلتهم نقمة. جاء في سجدة الشكر: فمن تجددت له نعمة، أو اندفعت عنه نقمة، فيُسنّ له أن يسجد شكراً لله، إسجدوا سجدة الشكر بعد كل صلاة. وقولوا شكراً لله ثلاث مرات او الحمد لله ثلاث مرات.

يقول الشيخ جلال الدين الصغير عن الامامة: فكرتنا نحن الإمامية وببساطة تتلخص بالقول بأن هذا الكتاب الكريم أرسله الله جل وعلا رحمة للعالمين، وليس نقمة عليهم، ولهذا ووفق منطق الرحمة الإلهية حينما أرسله أنزله على نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ليقوم بمهمة الهداية وإنقاذ الناس من الضلال وفق منطوق الآية الكريمة: "لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ" (ال عمران 164) ولهذا فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم حينما يكون هذا هو دوره فإنه ومن يمثله هو المرجعية الوحيدة القادرة على فك أسرار هذا الكتاب، وقد حدثنا هذا الكتاب بلهجة واضحة وصريحة بأنه يحوي كل شئ وفق قوله تعالى: "وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ" (النحل 89).

جاء في مرآة العقول للعلامة المجلسي: إشارة إلى قوله تعالى: "إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالاً وَجَحِيماً" (المزمل 12) والنكل بالتحريك منع الرجل وتبعيده عما يريد، والنكال بالفتح العقوبة التي ينكل الناس عن فعل ما جعلت له جزاء، والنكل بالكسر القيد لأنه ينكل به أي يمنع، وجمعه أنكال، والجحيم من أسماء جهنم وأصله ما اشتد لهبه من النيران ، والبطش الشديد ناظر إلى قوله تعالى: "إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ" (البروج 12). والبطش: الأخذ القوي الشديد، والوصف للتأكيد، والنقمة السخط والغضب والعقوبة، ومن أسمائه سبحانه المنتقم، وهو المبالغ في العقوبة، وكما أن رحمته عظيمة كذلك نقمته شديدة. عن أبي جعفر عليه‌ السلام قال الندامة على العفو أفضل وأيسر من الندامة على العقوبة.

كانت عقوبةُ السارق في شريعة إبراهيم ومَنْ بعدَه من الأنبياء عليهم الصَّلاة والسلام أن يُسْتعبد ويُسْترق، وبهذا أجاب أبناء يعقوب عليهم السلام لمَّا سُئلوا عن جزاء من سَرَق صُواع الملك "قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ" (يوسف 75). وكانت عقوبتُه في أهل مصر أن يُضربَ ويغرَّم ضعْفَي ما سرق، ولكنَّ الله تعالى علَّم يوسفَ عليه السلام من حُسْنِ الحيلة ولطفِ السياسة أن يأخذ أخاه عنده بِشِرْعة بني إسرائيل، لا بِشِرْعة الملك، وذلك قوله جل ثناؤه: "كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ" (يوسف 76). قال تعالى في القرآن الكريم: "وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" (المائدة 38). وفي الانجيل جاء عن السارق (فَإِنْ أَعْثَرَتْكَ يَدُكَ أَوْ رِجْلُكَ فَاقْطَعْهَا وَأَلْقِهَا عَنْكَ. خَيْرٌ لَكَ أَنْ تَدْخُلَ الْحَيَاةَ أَعْرَجَ أَوْ أَقْطَعَ مِنْ أَنْ تُلْقَى فِي النَّارِ الأَبَدِيَّةِ وَلَكَ يَدَانِ أَوْ رِجْلاَنِ) (متى 8:18 )). ان احتراف السرقة تخلْق بيئة تَصنع الإجرام، وتتفنَّن في ارتكاب الآثام، والاعتداء والإفساد والفتن مما يتطلب انزال العقاب الشديد بهؤلاء المحترفين السراق "وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ" (الانفال 25).

جاء في كتاب مرشد المغترب للسيد محمد سعيد الحكيم قدس سره: الردع العملي لبعض الأفراد منكم الذين قد تسول لهم أنفسهم التورط فيها والخوض في مستنقعاته، فإنهم إذا رأوا إخوانهم يتعففون عنه، ويستنكرونها يكون ذلك أدعى لهم إلى مجانبته، فتكونون بذلك قد أمرتم بالمعروف وأنكرتم المنكر، وهما من فرائض الإسلام الكبرى. على أن مواضع معصية الله تعالى وانتهاك حرماته، حَرية بغضبه ولعنته، وقد تنزل اللعنة والنقمة عليها فتعم من فيها ولو من غير أهله. قال الله تعالى: "وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ" (الانعام 68). وفي حديث عبدالله بن صالـح عن الإمام الصادق عليه السلام: (قال: لا ينبغي للمؤمن أن يجلس مجلساً يعصى الله فيه ولا يقدر على تغييره). وفي صحيح عبدالله بن ميمون القداح عنه عليه السلام: (قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: من كان يؤمن بالله وباليوم الآخر فلا يقوم مكان ريبة).

جاء في كتاب مرشد المغترب للسيد محمد سعيد الحكيم: في صحيح الجعفري: (سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول: ما لي رأيتك عند عبدالرحمن بن يعقوب؟ فقال: إنه خالي. فقال: إنه يقول في الله قولاً عظيم، يصف الله، ولا يوصف. فإما جلست معه وتركتن، وإما جلست معنا وتركته. فقلت: هو يقول ما شاء، أي شيء عليَّ منه إذا لم أقل ما يقول؟ فقال أبو الحسن عليه السلام: أما تخاف أن تنزل به نقمة فتصيبكم جميع؟ أما علمت بالذي كان من أصحاب موسى عليه السلام، وكان أبوه من أصحاب فرعون، فلما لحقت خيل فرعون بموسى تخلف عنه ليعظ أباه، فيلحقه بموسى عليه السلام، فمضى أبوه وهو يراغمه حتى بلغا طرفاً من البحر فغرقا جميع، فأتى موسى الخبر، فقال: هو في رحمة الله، ولكن النقمة إذا نزلت لم يكن لها عن من قارب المذنب دفاع). وفي صحيح أبي حمزة عن الإمام الباقر عليه السلام: (سمعته يقول: أما إنه ليس من سنة أقل مطراً من سنة، ولكن الله يضعه حيث يشاء. إن الله جل جلاله إذا عمل قوم بالمعاصي صرف عنهم ما كان قدر لهم من المطر في تلك السنة إلى غيرهم وإلى الفيافي والبحار والجبال، وإن الله ليعذب الجُعَل في جحرها بحبس المطر عن الأرض التي هي بمحلته، لخطايا من بحضرته، وقد جعل الله لها السبيل إلى مسلك سوى محلة أهل المعاصي. قال: ثم قال أبو جعفر عليه السلام: "فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ " (الحشر 2)). ولا يخدعنكم الشيطان وأولياؤه بأن الله قد نعَّم أهل المجتمعات التي أنتم فيها بخيرات الدنيا وزينته. وتيقنوا أنها نِعَم تحولت نِقَماً بسلبياتها ومضاعفاته، حتى انتهى الأمر بهم إلى مشاكل حادة نتيجة الترف وإشباع الغرائز الحيوانية.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
آخر الاضافات
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك