الصفحة الإسلامية

معنى يفتري و افتراء و مفتر في القرآن الكريم


الدكتور فاضل حسن شريف

قال الله تبارك وتعالى عن الافتراء ومشتقاته "وَقَالُوا هَـٰذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَّا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَن نَّشَاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لَّا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ ۚ سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ" ﴿الأنعام 138﴾ يفترون بفتح التاء اي يكذبون، سيجزيهم الله بسبب ما كانوا يفترون من كذبٍ عليه سبحانه، يفترون بضم التاء تختلف بالمعنى عند فتح التاء، و "قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ ۚ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ" ﴿الأنعام 140﴾ افتراءا اي كذبا، وحرموا ما رزقهم الله كذبًا على الله، و "ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۖ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ" ﴿آل عمران 24﴾ يفترون اي يكذبون، و "فَمَنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ" ﴿آل عمران 94﴾، و "إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا" ﴿النساء 48﴾ أي من يشرك بالله احدا غيره فقد اختلق ذنبًا عظيما، و "انظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۖ وَكَفَىٰ بِهِ إِثْمًا مُّبِينًا" ﴿النساء 50﴾ انظر إليهم أيها الرسول متعجبًا من أمرهم، كيف يختلقون على الله الكذب، وهو المنزَّه عن كل ما لا يليق به، و "مَا جَعَلَ اللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ ۙ وَلَـٰكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۖ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ" ﴿المائدة 103﴾ يفترون:يختلقون. و الفِرية: الكذب و اختلاقه، و "وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ ۗ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ" ﴿الأنعام 21﴾ افترى اي اختلق.

الافتراء على الله باشراك آخرين في عبادته قال تعالى: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا" (النساء 48) أي من يشرك بالله احدا غيره فقد اختلق ذنبًا عظيما، لأن الشرك انقطاع اي افتراء ما بين الله والعباد، فيبتعدون عن مغفرة الله لانقطاع الصلة بينهم وبين خالقهم الله تعالى. وعن عبادة بن الصامت وكان شهد بدرًا أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال وحوله عصابة من أصحابه: (بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئًا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف، فمن وفي منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئًا، فعوقب في الدنيا، فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئًا، ثم ستره الله، فهو إلى الله، إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه) فبايعناه على ذلك.

وجاء في الفتح القدير للشوكاني: قوله تعالى "قُلْ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ" (يونس 69) أي كل مفتر هذا شأنه، ويدخل فيه هؤلاء دخولا أوليا. وذكر الكذب مع الافتراء للتأكيد كما سبق في مواضع من الكتاب العزيز. والمعنى: أن هؤلاء الذين يكذبون على ربهم لا يفوزون بمطلب من المطالب. ثم بين سبحانه أن هذا الافتراء وإن فاز صاحبه بشئ من المطالب العاجلة فهو متاع قليل في الدنيا، ثم يتعقبه الموت والرجوع إلى الله، فيعذب المفتري عذابا مؤبدا. فيكون متاع خبر مبتدأ محذوف، والجملة مستأنفة لبيان أن ما يحصل للمفتري بافترائه ليس بفائدة يعتد بها، بل هو متاع يسير في الدنيا يتعقبه العذاب الشديد بسبب الكفر الحاصل بأسباب من جملتها الكذب على الله.

أنّ الافتراء من المحرمات الكبيرة، فيكون منافياً للعدالة التي هي شرط في إمامة الجماعة وغيرها. وقد استدلّ عليه بقوله سبحانه وتعالى: "إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَايُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ" (النحل 105) فجعل الكاذب المفتري‏ غير مؤمن بآيات اللَّه كافراً بها. وتدلّ عليه روايات كثيرة. بل حيث إنّه نوع‏ خاصّ من الكذب فيدلّ على حرمته الأدلّة الدالّة على حرمة الكذب وهي كثيرة. ورد ان ابي طالب مظلوم مفترى عليه. عن أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له: إن بعض أصحابنا يفترون ويقذفون من خالفهم؟ فقال لي: الكف عنهم أجمل.

ولما جاءت مريم عليها السلام بعيسى عليه السلام المعجزة الإلهية من غير أب تحمله، أنكر عليها قومها ذلك. قوله تعالى: "وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا" (النساء 156) لأن ذلك البهتان العظيم الذي هو ادعاؤهم أنها زنت، وجاءت بعيسى من ذلك الزنا حاشاها وحاشاه من ذلك، ويدل لذلك قوله تعالى بعده: "يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا" (مريم 28). والبغي الزانية، يعنون كان أبواك عفيفين لا يفعلان الفاحشة، فما لك أنت ترتكبينها؟ ومما يدل على أن ولد الزنا كالشيء المفترى قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ" (الممتحنة 12) أي: ولا يأتين بولد زنًا يقصدن إلحاقه برجلٍ ليس أباه، هذا هو الظاهر الذي دل عليه القرآن في معنى الآية.

قال الله تبارك وتعالى ايضا عن الافتراء تكملة للحلقة السابقة "انظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ ۚ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ" ﴿الأنعام 24﴾ يفترون اي يكذبون بعبادتهم الأصنام و شفاعتهم، و "وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا" ﴿الأنعام 93﴾ افترى اي اختلق، و "وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ۚ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ۖ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ" ﴿الأنعام 112﴾ يفترون اي يكذبون، فدعهم ايها الرسول وما يختلقون مِن كذب وزور، و "وَكَذَٰلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ ۖ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ ۖ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ" ﴿الأنعام 137﴾ يفترون بفتح التاء اي يكذبون، فاتركهم أيها الرسول وشأنهم فيما يفترون من كذب، فسيحكم الله بينك وبينهم، تفترون بضم التاء تختلف بالمعنى عن فتح التاء، و "اللَّهُ بِهَـٰذَا ۚ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِّيُضِلَّ النَّاسَ" ﴿الأنعام 144﴾، و "فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ ۚ أُولَـٰئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ الْكِتَابِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ" ﴿الأعراف 37﴾ افترى اي اختلق. وردت يفتري ومشتقاتها في القرآن الكريم: يَفْتَرُونَ، افْتَرَى، افْتِرَاءً، افْتَرَيْنَا، الْمُفْتَرِينَ، يُفْتَرَى، افْتَرَاهُ، تَفْتَرُونَ، مُفْتَرَيَاتٍ، افْتَرَيْتُهُ، مُفْتَرُونَ، مُفْتَرٍ، يَفْتَرِي، لِتَفْتَرُوا، لِتَفْتَرِيَ، تَفْتَرُوا، مُفْتَرًى، أَفْتَرَى، يَفْتَرِينَهُ.

عن مفهوم التأويل للسيد محمد باقر الحكيم قدس سره: اختار اللّه تعالى لهذا الكلام المعجز الذي أوحاه إلى نبيه أسماء مخالفة لما سمى العرب به كلامهم جملة وتفصيلًا. وسماه القرآن "وَمَا كَانَ هَٰذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَىٰ مِن دُونِ اللَّهِ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ" (يونس 37). وقوله تعالى "قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ" ﴿يونس 69﴾ أن القصة انما جاءت هنا من أجل تصديق الحقيقة التي ذكرها القرآن الكريم في مقارنته بين الذين آمنوا والذين يفترون على الله الكذب.

جاء في الموسوعة الحرة: الافتراء لغةً: مصدر افترى يفتري افتراءً: إذا كذب، وفرى كذبًا فريًا: اختلقه. والفرى: جمع فرية وهي الكذبة. اصطلاحًا: قال العسكري: (الافتراء:الكذب في حقِّ الغير بما لا يرتضيه). قال السيوطي: (الافتراء: اختراع قضية لا أصل لها). قال الكفوي: (الافتراء: هو العظيم من الكذب، يقال لمن عمل عملًا فبالغ فيه: إنه ليفري الفرى. ومعنى افترى: افتعل واختلق ما لا يصحُّ أن يكون، وما لا يصحُّ أن يكون أعمُّ مما لا يجوز أن يقال، وما لا يجوز أن يفعل). تشترك الكلمات الثلاث (الإفتراء والبهتان والكذب ) في عدم مطابقة الخبر للواقع. الافتراء والبهتان: يكونان في حق الغير فقط. الكذب قد يقع على سبيل الإفساد ويكون في حق النفس، وقد يكون على سبيل الإصلاح، كالكذب للإصلاح بين المتخاصمين، والكذب في الحرب. البهتان: هو الكذب الذي يبهت سامعه، أي: يدهش ويتحير، وهو أفحش الكذب، لأنَّه إذا كان عن قصد يكون إفكًا. يقول أبو هلال العسكري: (البهتان: هو الكذب الذي يواجه به صاحبه على وجه المكابرة له). البهتان لغة: يقول ابن منظور: (بهت الرجل يبهته بهتا، وبهتا، وبهتانا، فهو بهات أي قال عليه ما لم يفعله، فهو مبهوت. وبهته بهتا: أخذه بغتة، والبهيتة البهتان، والبهتان: افتراء، وباهته: استقبله بأمر يقذفه به، وهو منه بريء، لا يعلمه فيبهت منه، والاسم البهتان. وبهت الرجل أبهته بهتا إذا قابلته بالكذب، وبهت فلان فلانا إذا كذب عليه، وبهت وبهت إذا تحير). البهتان اصطلاحا هو الكذب الذي يبهت سامعه، أي: يدهش ويتحير، وهو أفحش الكذب، لأنه إذا كان عن قصد يكون إفكًا. يقول القرطبي: (البهتان من البهت، وهو أن تستقبل أخاك بأن تقذفه بذنب وهو منه بريء). الافتراءك استعماله لا يكون إلاّ في الإفساد. وهو الكذب الذي قد سُوِّي وحُسِّن في الظاهر، ليحسب أنه صدق. الافتراء لغة: يقول ابن منظور: (أفرى الرجل: لامه. والفرية: الكذب. فرى كذبا فريا وافتراه: اختلقه. ورجل فري ومفرى وإنه لقبيح الفرية، والفرية من الكذب، وافترى الكذب يفتريه اختلقه، وفرى فلان كذا إذا خلقه، وافتراه: اختلقه، والاسم الفرية. الفرى: جمع فرية وهي الكذبة، وأفرى أفعل منه للتفضيل. والفري: الأمر العظيم. وفلان يفري الفري إذا كان يأتي بالعجب في عمله. وفريت: دهشت وحرت).

يعتبر الشرك من أعظم الافتراءات على الله. لذلك أرسل الله الرسل للرد على افتراءات المشركين على الله ودعوتهم إلى عبادة الله، كما قال هود عليه السلام لقومه: "وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ" (هود 50) أي ولقد أرسلنا إلى عادٍ أخاهم هودًا آمرًا لهم بعبادة الله وحده لا شريك له، وان لا يعبدوا الاوثان التي افتروها، واختلقوا لها أسماء. أنّ الكذب قد يقع على سبيل الإفساد، وقد يكون على سبيل الإصلاح كالكذب للإصلاح بين المتخاصمين، أمّا الإفتراء فإنّ استعماله لا يكون إلّا في الإفساد، فيكون أخصّ من الكذب. والكذب يطلق على الإخبار على خلاف الواقع، وإن تخيّل المخبر أنّه واقع. أمّا الافتراء فقد اخذ فيه علم المفتري بأنّه كذب، وقد ذكر بعض اللغويين أنّ الأصل في الافتراء القطع ثمّ استعير للكذب مع العمد. وذكر فرق آخر أيضاً وهو: إنّ الافتراء الكذب في حق الغير بما لا يرتضيه، بخلاف الكذب فإنّه قد يكون في حق المتكلّم نفسه، ولذا يقال لمن قال فعلت كذا مع عدم صدقه: أنّه كاذب، ولا يقال: إنّه مفترٍ.

 

قال الشيخ المفيد: (الكذب على‏ اللَّه عزوجلّ وعلى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وكذلك الكذب على أئمّة الهدى عليهم السلام، فهذه كبائر). وكذلك عدّ السيّد بحر العلوم ذلك من الكبائر، مستدلّاً بقوله سبحانه وتعالى: "وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ" (الزمر 60)، و قوله عزّوجلّ: "قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَايُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ" (يونس 69-70). وقد استدلّ عليه أيضاً برواية أبي خديجة عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: (قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: من قال عليَّ ما لم أقل فليتبوّأ مقعده من النار). من أعظم أنواع الافتراء: الفرية على الله سبحانه وتعالى في أسمائه وصفاته وأفعاله، والذي يعني الاختلاق عليه والحكاية عنه ما لم يقله، أو اتخاذ الأنداد والشركاء. جاء في التبيان للشيخ الطوسي: قوله تعالى "انظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۖ وَكَفَىٰ بِهِ إِثْمًا مُّبِينًا" ﴿النساء 50﴾ فالافتراء والاختلاق متقاربان، والفرق بينهما أن الافتراء هو القطع على كذب أخبر به، واختلق قدر كذبا أخبر به، لان الفري القطع، والخلق التقدير. وافتراؤهم الكذب على الله ههنا المراد به تزكيتهم لأنفسهم بانا "أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ" (المائدة 18) وأنه "لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ" (البقرة 111).

قال الله تبارك وتعالى عن الافتراء ومشتقاتها تكملة للحلقة الثانية "هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ ۚ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ۚ قَدْ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ" ﴿الأعراف 53﴾ يفترون اي يكذبون، فقد خسروا بعد ان ضل عنهم ما كانوا يعبدونهم من دون الله، و "قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُم بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا ۚ وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا ۚ وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ۚ عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا ۚ رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ" ﴿الأعراف 89﴾ افترينا: افتري فعل، نا ضمير، افترينا اي اختلقنا الكذب، وقال شعيب لقومه مستدركًا: قد اختلقنا على الله الكذب إن عُدْنا إلى دينكم بعد أن أنقذنا الله منه، وليس لنا أن نتحول إلى غير دين ربنا إلا أن يشاء الله ربنا، و "إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ" ﴿الأعراف 152﴾ المفترين اي المكذبين، وكذلك نجزي المفترين اي وكما فعلنا بهؤلاء نفعل بالمفترين المبتدعين في دين الله، و "فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ" ﴿يونس 17﴾ افترى اي اختلق الكذب على الله سبحانه، و "هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَّا أَسْلَفَتْ ۚ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ ۖ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ" ﴿يونس 30﴾ يفترون اي يكذبون، ما كانوا يعبدون من دون الله كذبا و زورا، و "وَمَا كَانَ هَـٰذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَىٰ مِن دُونِ اللَّهِ وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ" ﴿يونس 37﴾ يفترى اي يختلق، و "أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۖ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ" ﴿يونس 38﴾ افتراه اي اختلقه، و "قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ ۖ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ" ﴿يونس 59﴾ تفترون اي تكذبون، و "وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ" ﴿يونس 60﴾ يفترون اي يكذبون، وما ظنُّ هؤلاء الذين يتخرصون على الله الكذب يوم الحساب، و "قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ" ﴿يونس 69﴾ يفترون اي يكذبون، يكذبون بنسبة الولد إلى الله، و "أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۖ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ" ﴿هود 13﴾ افتراه اي اختلقه.

الافتراء على الله بما لم يقله: من صور الافتراء على الله تزكية اليهود والنصارى لأنفسهم من غير برهان على ذلك، كما قال تعالى: "انظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۖ وَكَفَىٰ بِهِ إِثْمًا مُّبِينًا" ﴿النساء 50﴾ هذا توبيخ للذين يزكون أنفسهم من اليهود والنصارى و كل من زكى نفسه بأمر ليس فيه، لانهم يقولون: "وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ" (المائدة 18)، ويقولون: "وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ" (البقرة 111) وهي دعوى لا برهان عليها، فتزكيتهم أنفسهم افتراء على الله جل جلاله، لأن تزكيتهم لأنفسهم يعني بأن الله جعلهم على حقً، و المسلمون على باطل، وقلبٌ للحقائق بجعل الحق باطلًا، والباطل حقًا، وهذا الكذب بعينه.

وقد عدّ العلّامة الحلّي ممّا نصّ الشارع على تحريمه عيناً الكذب على المؤمنين حيث قال الله سبحانه "إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَايُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ" (النحل 105). وقال الشيخ كاشف الغطاء: (يحرم الكذب عليهم أي على المؤمنين حرمة مضافة إلى حرمة أصل الكذب، لتضاعف الوزر بتضاعف القدر). ذكر الشيخ كاشف الغطاء: يحرم الافتراء على اللَّه ورسوله والأئمّة المعصومين عليهم السلام، بل هو من الكبائر. جاء في تفسير الميزان ل السيد الطباطبائي: قوله تعالى وقوله: "وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ" (العنكبوت 13) فشركهم افتراء على الله سبحانه وكذا دعواهم القدرة على انجاز ما وعدوه وأن الله يجيز لهم ذلك. وقوله تعالى: "أُولَٰئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ" (هود 21) اما خسرانهم فإن الانسان لا يملك بالحقيقة وذلك بتمليك من الله تعالى إلا نفسه وإذا اشترى لنفسه ما فيه هلاكها وضيعتها بالكفر والمعصية فقد خسر في هذه المعاملة التي أقدم عليها نفسه فخسران النفس كناية عن الهلاك، وأما ضلال ما كانوا يفترون فإنه كان كذبا وافتراء ليس له وجود في الخارج من اوهامهم ومزاعمهم التي زينتها لهم الأهواء والهوسات الدنيوية وبانطواء بساط الحياة الدنيا يزول وينمحي تلك الأوهام ويضل ما لاح واستقر فيها من الكذب والافتراء ويومئذ يعلمون ان الله هو الحق المبين، ويبدو لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون.

 

من قبح المفترين ادعاؤهم على الرسل أنهم لم يأتوا بالمعجزات الباهرة والدلائل القاهرة من عند الله، وإنما هي اختلاق من عند أنفسهم، كما حكى الله عن فرعون وقومه من دعوة موسى عليه السلام بقوله تعالى: "فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ" (القصص 36). يخبر تعالى عن مجيء موسى وأخيه هارون عليهما السلام إلى فرعون وملئه، وعرضه ما آتاهما الله من المعجزات الباهرة والدلالات القاهرة على صدقهما فيما أخبر عن الله عز وجل من توحيده، واتباع أوامره، فلما عاين فرعون وملؤه ذلك وشاهدوه وتحققوه، وأيقنوا أنه من الله، عدلوا بكفرهم وبغيهم إلى العناد والمباهتة؛ وذلك لطغيانهم وتكبرهم عن اتباع الحق. وقد جعلوا انتفاء بلوغ مثل هذه الدعوة إلى آبائهم حتى تصل إليهم بواسطة آبائهم الأولين دليلًا على بطلانها؛ وذلك آخر ما يلجأ إليه المحجوج المغلوب حين لا يجد ما يدفع به الحق بدليل مقبول، فيفزع إلى مثل هذه التلفيقات والمباهتات.

قال الله تبارك وتعالى عن الافتراء ومشتقاتها تكملة للحلقة الثالثة "وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ ۙ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ" ﴿النحل 101﴾ مفتر اي الذي يخلق الاكاذيب، و "إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ۖ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ" ﴿النحل 105﴾ يفتري اي يختلق، إنما يختلق الكذبَ مَن لا يؤمن بالله وآياته، و "وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـٰذَا حَلَالٌ وَهَـٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ" ﴿النحل 116﴾ لتفتروا اي لتكذبوا، يفترون اي يكذبون، ولا تقولوا أيها المشركون للكذب الذي تصفه ألسنتكم: هذا حلال لِما حرَّمه الله، وهذا حرام لِما أحَلَّه الله، لتختلقوا على الله الكذب بنسبة التحليل والتحريم إليه، إن الذين يختلقون على الله الكذب لا يفوزون بخير في الدنيا ولا في الآخرة، و "وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ ۖ وَإِذًا لَّاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا" ﴿الإسراء 73﴾ لتفتري اي لتكذب، و "هَـٰؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً ۖ لَّوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ ۖ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا" ﴿الكهف 15﴾ افترى اي اختلق او ابتدع، و "قَالَ لَهُم مُّوسَىٰ وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ ۖ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَىٰ" ﴿طه 61﴾ تفتروا اي تخلقوا، افترى اي اختلق الكذب، و "بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ" ﴿الأنبياء 5﴾ افتراه اي اختلقه.

قام الأنبياء صلوات الله عليهم بدعوة أقوامهم إلى عبادة الله و ترك عبادة غير الله آمنت بهم القلة ولم تؤمن بهم الاكثرية والذين سماهم القرآن الملأ. قال تعالى: "قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ * قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ" (الاعراف 88-89) أي ما أعظم افتراءنا اي تكذيبنا بالله إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها وهدانا الصراط المستقيم باتباع ملة إبراهيم. وهذه سنة الله سبحانه وتعالى في الدعوات أن يقوم الرسل وورثتهم من بعدهم بدعوة أقوامهم إلى عبادة الله، وترك عبادة غير الله، فيؤمن البعض ويكفر الآخر، ويجاهد الرسل والمؤمنون كما قال تعالى: "تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ" (القصص 83) وتكون العاقبة للمتقين المؤمنين برسالات الرسل.

الافتراء المشتمل على القذف حرام، إذ اتّهام أحد بالزنا أو بما يوجب الحدّ من الكبائر التي ورد الحديث عنها في القرآن الكريم. ويترتب عليه إقامة الحدّ على المفتري القاذف. ورد أنّ الافتراء على أهل الذمة والكتاب لا يوجب الحدّ بل فيه التعزير، عملًا برواية إسماعيل بن الفضل ، قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن الافتراء على أهل الذمة وأهل الكتاب هل يجلد المسلم الحدّ في الافتراء عليهم؟ قال: (لا، ولكن يعزّر). قال الله تبارك وتعالى "فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ ۖ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا" ﴿مريم 27﴾ فريا بمعنى العظيم أو العجيب، وفي الأصل من مادة فري، أي قص وقطع الجلد إما لإصلاحه أو إفساده،

قال الله تبارك وتعالى ايضا في الافتراء ومشتقاتها "إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ" ﴿المؤمنون 38﴾ افترى اي اختلق، و "وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَـٰذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ ۖ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا" ﴿الفرقان 4﴾ افتراه اي اختلقه، و "فَلَمَّا جَاءَهُم مُّوسَىٰ بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَـٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ" ﴿القصص 36﴾ مفترى اسم اي مختلق كذبا، ما هذا الذي جئتنا به إلا سحر افتريته كذبًا وباطلا وما سمعنا بهذا الذي تدعونا إليه في أسلافنا الذين مضوا قبلنا، و "وَنَزَعْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ" ﴿القصص 75﴾ يفترون اي يكذبون، و "وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ ۖ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ" ﴿العنكبوت 13﴾ بفترون اي يختلقون الاكاذيب، يختلقونه من الأباطيل و الأكاذيب، و "وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ ۚ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ" ﴿العنكبوت 68﴾ افترى اي اختلق، لا أحد أشد ظلمًا ممن كذَب على الله، و "أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۚ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ" ﴿السجدة 3﴾ افتراه اي اختلقه، و "أَفْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَم بِهِ جِنَّةٌ ۗ بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ" ﴿سبإ 8﴾ افترى اي اختلق، و "وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَـٰذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَـٰذَا إِلَّا إِفْكٌ مُّفْتَرًى ۚ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَـٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ" ﴿سبإ 43﴾ مفترى اسم اي مختلق، افك مفترى: كذب مختلق ويقصدون بذلك القرآن، و "أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ۖ فَإِن يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَىٰ قَلْبِكَ ۗ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ" ﴿الشورى 24﴾ افترى اي اختلق، أيقول هؤلاء المشركون: اختلق محمد الكذب على الله، و "أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۖ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ۖ هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ ۖ كَفَىٰ بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ۖ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ" ﴿الأحقاف 8﴾ افتراه اي اختلقه من نفسه، أيقول هؤلاء المشركون: إن محمدًا اختلق هذا القرآن؟ قل لهم أيها الرسول: إن اختلقته على الله فإنكم لا تقدرون أن تدفعوا عني من عقاب الله شيئًا، و "فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً ۖ بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ ۚ وَذَٰلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ" ﴿الأحقاف 28﴾ يفترون اي يكذبون، و "يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ" ﴿الممتحنة 12﴾ يفترينه: يفتري فعل، النون ضمير، الهاء ضمير، يفترينه اي يَختـَـلِقـنه، بهتان يفترينه اي كذب بنسبة الولد إلى غير أبيه، و "وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَىٰ إِلَى الْإِسْلَامِ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ" ﴿الصف 7﴾ افترى اي اختلق، بنسبة الشريك والولد إليه ووصف آياته بالسحر.

 

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ) قَالُوا: اَللَّٰهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: (ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ) قِيلَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ. قَالَ: (إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ). وقال صلى الله عليه وآله وسلم (إنَّ مِن أعظم الفِرَى أن يدعي الرجل إلى غير أبيه، أو يُري عينه ما لم ترَ، أو يقول على رسول الله ما لم يقل)، و (إن من أفرى الفرى أن يُري عينه ما لم ترَ)، و (إن أعظم الناس فرية لرجل هاجى رجلًا فهجا القبيلة بأسرها). وإضافةً إلى تحريم الكذب على اللَّه ورسوله والأئمّة المعصومين عليهم السلام، اختلف الفقهاء في أنّ الافتراء على اللَّه ورسوله والأئمّة المعصومين عليهم السلام مفطر للصوم أيضاً أم لا؟ ذهب بعضهم إلى أنّه مفطر، وذهب آخرون إلى أنّه غير مفطر، وأنّه موجب فقط لنقص الثواب، وحرام في نفسه. ولم تعيّن عقوبة محدّدة في الشرع للافتراء على الناس أو المؤمنين أو المعصومين عليهم السلام، و أنّ المتعيّن فيه التعزير، لأنّ كل معصية لا حدّ فيها يثبت فيها التعزير.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
آخر الاضافات
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك