الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في كتاب الصوم للسيد ابو القاسم الخوئي قدس سره: ونقل عن مجمع البيان قوله: "وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ" (البقرة 184) يعني من الافطار والفدية. ولا يبعد استظهار ذلك من عبارة الماتن قدس سره أيضا حيث عبر بعد قوله: وردت الرخصة بقوله: بل قد يجب فكان الافطار لم يكن واجبا مطلقا وانما هو حكم ترخيصي ربما يصير واجبا كما لو استلزم الصوم ضررا محرما. ويشهد له ذيل عبارته أيضا حيث قال: فيجوز لهما الافطار. وكيفما كان فهذا القول الذي صرح به في الحدائق من التخيير بين الصيام والفداء لا يمكن المصير إليه بوجه لكونه على خلاف ظاهر الآية الكريمة جزما، فان في العدول من الخطاب في قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ " (البقرة 183) إلى الغيبة في قوله سبحانه: "وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ" (البقرة 184) دلالة واضحة على أن المراد من المعدول إليه طائفة أخرى غير المخاطبين بالصيام المنقسمين إلى صحيح حاضر ومريض أو مسافر، وان الصوم وظيفة لغير هؤلاء حسبما تقدم. وعليه فالعود ثانيا إلى الخطاب في قوله تعالى: "وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ" (البقرة 184) كاشف عن رجوع هذه الفقرة إلى من خوطب أولا وكونه من متممات الخطاب السابق لا من متممات الغيبة المعدول إليها، وإلا لكان مقتضى السياق التعبير بلسان الغيبة أيضا بان يقال هكذا: (وان يصوموا خير لهم) بدل قوله سبحانه: "وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ" (البقرة 184). وكأنه سبحانه وتعالى أشار بذلك إلى ان التكليف بالصيام اداء أو قضاء يعود نفعه وفائدته اليكم لا إليه سبحانه الذي هو غني عن عباده. وعلى الجملة فهذه الفقرة تأكيد للخطاب السابق ومن ملحقاته، ولا علاقة ولا ارتباط لها بالجملة الغيابية المتخللة ما بين الخطابين لتدل على الترخيص وجواز الصيام فضلا عن أفضليته. إذا فالتكليف بالفداء في قوله تعالى: "وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ" (البقرة 184) الظاهر في الوجوب التعييني لا معدل عنه ولا محيص من الاخذ به بعد عدم اقترانه بما يوجب رفع اليد عنه وسلامته عن المعارض، فلا يصح الصوم من هؤلاء بتاتا، لان الموظف به اداء أو قضاء غيرهم حسبما عرفت.
جاء في كتاب مصباح الفقاهة للسيد ابو القاسم الخوئي قدس سره: أن المعاصي كلها كبيرة وان كان بعضها اكبر من بعضها الاخر، كالشرك بالله العظيم، فانه من اعظم المعاصي، وقتل النفوس المحترمة، فانه اعظم من بقية الذنوب، وهكذا، وانما اطلقت الكبيرة عليها بالتشكيك على اختلاف مراتبها شدة وضعفا. وعليه فلا وجه للنزاع في ان الغيبة من الكبائر ام من الصغائر، وقد اختار هذا الرأي جمع من الاصحاب، بل ظاهر ابن ادريس في كتاب الشهادة من السرائر دعوى الاجماع عليه، فانه بعد ما نقل كلام الشيخ في المبسوط الظاهر في ان الذنوب على قسمين صغائر وكبائر قال: وهذا القول لم يذهب إليه رحمه الله الا في هذا الكتاب - اعني المبسوط - ولاذهب إليه احد من الاصحاب، لانه لا صغائر عندنا في المعاصي الا بالاضافة الى غيرها. ومن هنا يتضح ان الاخبار الواردة في عد الكبائر انما هي مسوقة لبيان عظمها بين سائر الذنوب، لحصر المعاصي الكبيرة بالامور المذكورة، وعليه يحمل قوله تعالى: ان تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم . ومع الاغضاء عما ذكرناه فلا ثمرة للنزاع في الفرق بين الكبائر والصغائر، فان الذنوب كلها تضر بالعدالة وتنافيها، فان العدالة هي الاعتدال في الدين والاستقامة على طريقة سيد المرسلين، وارتكاب أية معصية وان كانت صغيرة يوجب الانحراف في الدين والخروج عن الصراط المستقيم لكون ذلك هتكا للمولى وجرأة عليه، كما ان الخروج عن الطرق التكوينية انحراف عنها. ولو سلمنا ان الصغائر لا تنافي العدالة الا أن الغيبة من الكبائر، فان لكبيرة ليست لها حقيقة شرعية لنبحث فيها، بل المراد بها هو معناها اللغوي، وهو الذنب العظيم عند الشارع، ويعرف عظمه تارة بالنص على كونه من الكبائر كالشرك والزناء وقتل النفس المحترمة وغيرها من الكبائر المنصوصة، واخرى بالتوعد عليه في الكتاب أو السنة المعتبرة، وثالثة بترتيب آثار الكبيرة عليه، ورابعة بالقياس الى ما ثبت كونه من الكبائر الموبقة، كقوله تعالى: "وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ" (البقرة 191)، وقد ثبت في السنة المعتبرة التوعيد على الغيبة فتكون من الكبائر. وتدل على ذلك ايضا الروايات الدالة على أن الخيانة من الكبائر، وبديهي ان الغيبة من اعظم الخيانات، ويدل على كون الغيبة من الخيانة قول النبي صلى الله عليه وآله في وصيته لابي ذر: يا أبا ذر المجالس بالامانة وافشاء سر أخيك خيانة فاجتنب ذلك، واجتنب مجلس العشرة، ولكنها ضعيفة السند. وقد يستدل ايضا على كون الغيبة كبيرة بالروايات الدالة على أن الغيبة اشد من الزنا.
جاء في كتاب البيان في تفسير القرآن للسيد ابو القاسم الخوئي قدس سره: مناقشة ادعاء نسخ آية: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ" (النساء 43). فلان الاية الكريمة لا دلالة فيها على جواز شرب الخمر بوجه، وإن فرض أن تحريم الخمر لم يكن في زمان نزول الاية، فالاية لا تعرض لها لحكم الخمر رخصة أو تحريما. على أن هذا مجرد فرض لا وقوع له، ففي رواية ابن عمر: نزلت في الخمر ثلاث آيات فأول شئ نزل: "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا" (البقرة 219). فقيل: حرمت الخمر، فقيل يا رسول الله دعنا ننتفع بها، كما قال الله عز وجل، فسكت عنهم، ثم نزلت هذه الاية: "لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ" (النساء 43). وروى نحو ذلك أبو هريرة. وروى أبو ميسرة عن عمر بن الخطاب قال: لما نزل تحريم الخمر، قال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا، فنزلت هذه الاية التي في سورة البقرة: "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ" (البقرة 219). قال: فدعي عمر فقرئت عليه، فقال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا، فنزلت الاية التي في سورة النساء: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى" (النساء 43). فكان منادي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أقام الصلاة نادى: لا يقربن الصلاة سكران، فدعي عمر فقرئت عليه، فقال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا، فنزلت الاية التي في المائدة فدعي عمر فقرئت عليه، فلما بلغ: "فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ" (المائدة 91). قال: فقال عمر: انتهينا انتهينا. وأخرج النسائي أيضا هذا الحديث باختلاف يسير في ألفاظه. وأما القول الثاني: فلان وجوب الوضوء عند القيام إلى الصلاة لا مساس له بمضمون الاية الكريمة ليكون ناسخا لها.
https://telegram.me/buratha