الدكتور فاضل حسن شريف
وردت كلمة ينتظر ومشتقاتها في القرآن الكريم: تَنظُرُونَ، انتَظِرُوا، مُنتَظِرُونَ، فَانتَظِرُوا، الْمُنتَظِرِينَ، يَنتَظِرُونَ، وَانتَظِرُوا، وَانتَظِرْ، يَنتَظِرُ، وَلْتَنظُرْ. ذكرت آيات قرآنية تتحدث عن الانتظار بالاضافة لما ذكرت في الحلقة السابقة "هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ ۗ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ" ﴿الأنعام 158﴾ ينظرون: ينظر فعل، ون ضمير، هل ينتظر الذين أعرضوا وصدوا عن سبيل الله إلا أن يأتيهم ملك الموت وأعوانه لقبض أرواحهم، أو يأتي ربك أيها الرسول للفصل بين عباده يوم القيامة، أو يأتي بعض أشراط الساعة وعلاماتها الدالة على مجيئها، وهي طلوع الشمس من مغربها؟ فحين يكون ذلك لا ينفع نفسا إيمانها، إن لم تكن آمنت من قبل، ولا يُقبل منها إن كانت مؤمنة كسب عمل صالح إن لم تكن عاملة به قبل ذلك. قل لهم أيها الرسول: انتظروا مجيء ذلك، لتعلموا المحق من المبطل، والمسيء من المحسن، إنا منتظرون ذلك. و "وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ" ﴿هود 122﴾ وانتظروا: الواو حرف عطف، انتظر فعل، وا ضمير، وانتظروا عاقبة أمرنا، فإنَّا منتظرون عاقبة أمركم. وفي هذا تهديد ووعيد لهم. و "فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانتَظِرْ إِنَّهُم مُّنتَظِرُونَ" ﴿السجدة 30﴾ فأعرض أيها الرسول عن هؤلاء المشركين، ولا تبال بتكذيبهم، وانتظر ما الله صانع بهم، إنهم منتظرون ومتربصون بكم دوائر السوء، فسيخزيهم الله ويذلهم، وينصرك عليهم. وقد فعل.
يقول الامام الصادق عليه السلام في قول الله: "يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا" (الانعام 158) قال عليه السلام: (يعني خُروج القائم المنتظر منّا) ثمّ قال: (يا أبا بصير طُوبى لشيعة قائمنا المُنتظرين لظهوره في غَيبته و المُطيعينَ لهُ في ظُهوره، أولئكَ أولياءُ الله الذين لا خوفٌ عليهم و لا هُم يحزنون). و يقول الامام الباقر عليه السلام: "يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ" (الاعراف 158) قال: نزلتْ: أو اكتسبتْ، "فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ" ﴿الأنعام 158﴾ قال: (إذا طلعتْ الشمس مِن مغربها فكلُّ مَن آمن في ذلك اليوم لا ينفعهُ إيمانه). عن الامام الصادق عليه السلام ايضا في قول الله: "لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ" (الاعراف 158) يعني في الميثاق، "أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا" (الانعام 158) قال: الإقرارُ بالأنبياء و الأوصياء و أمير المؤمنين خاصّة. قال: ("لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا" (الانعام 158) لأنّها سُلبتْ).
جاء عن ولادة الإمام المهدي من مركز الدراسات التخصصية في الامام المهدي عليه السلام: جب إتمام الحجة على كل مناوئ للحق و معاند له لان دولة الحق سوف تحاسبهم فلا ينفع الانصياع للحق حين إقامة العدل و وقت المحاسبة و إنزال العقوبة على كل ظالم غاشم و غاصب و مفسد، و إلى هذا المعنى أشير في عدة آيات قرآنية ففي سورة الأنعام: "هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ ۗ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ" ﴿الأنعام 158﴾، و في سورة الأعراف آية 71 اشارة الى ذلك و إلى الحجج الواهية لدى أهل الباطل يستندون إليها في مناوأة الحق قال: "قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ". و في سورة يونس إشارة إلى استعجال أهل الباطل ما لا يؤمنون به سخرية و استهزاءا و تمردا و استخفافا "وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ ۖ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ" (يونس 20)، و إلى هذا المعنى يشير قوله تعالى في سورة يونس آية 102 "فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ"، و في سورة هود "اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ * وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ" (هود 121-122) و فيها تحذير واضح للمعاندين لئلا تهدأ نفوسهم و لا تهنأ معيشتهم بما نالوا بالظلم من حقوق المظلومين، و بعث الأمل في نفوس المحرومين بالبشارة لهم بالانتقام من الظالمين.
جاء في الحديث الشريف (إِذَا ضُيِّعَتِ الْأَمَانَةُ، فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ)، قَالَ: كَيْفَ إِضَاعَتُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (إِذَا أُسْنِدَ الْأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ). عن محمد بن الفضيل عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: سألته عن شيء في الفرج فقال: أوليس تعلم أن انتظار الفرج من الفرج ان الله يقول: انتظروا إني معكم من المنتظرين. وعن أحمد بن محمد بن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال سمعته يقول ما أحسن الصبر وانتظار الفرج، أما سمعت قول العبد الصالح انتظروا أني معكم من المنتظرين.
وعن مفهوم الانتظارعند سماحة الشيخ جلال الدين الصغير امام جامع براثا: والذي يريد الانتظار عليه ان يكون هو السيد وان لا يكون عدو الامام المهدي هو السيد وهذا يتطلب عدم التهاون في ردع الاعداء وكما قيل (من أراد السيادة فعليه بترك الوسادة). قال الله تعالى "وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ" (المزمل 20). وجاء في الحديث الشريف (المؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف). والله تعالى يهيأ للعبد العامل ما يريد كما يهيأ للانبياء ما يريدونه وهم اول العاملين واهل الصناعة "وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ" (سبأ 12). والله يهيأ للمتوكل عليه عندما يريد العمل وليس الاتكالي ينتظر بدون عمل "وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ" (سبأ 12). وعلى المؤمن ان يذهب هو بنفسه الى العمل ولا ينتظر حتى يأتيه العمل وهو جالس "ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ" (ص 42). المنتظر للامام المهدي عجل الله فرجه الشريف لا يقبل الذل امام الطغاة والمتجبرين كما كان جد الامام المهدي وهو الامام الحسين عليه السلام القائل (هيهات منا الذلة). وذلة المنتظر تكون مع اخيه المؤمن بينما مع الظالم لا يقبل الذل "أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ" (المائدة 54). وعزة المؤمن تميزه عن الفاسق "أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ" (السجدة 18).
https://telegram.me/buratha