الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في كتاب تفسير سورة الحمد للسيد محمد باقر الحكيم قدس سره: قول مجاهد عند تفسير القرآن بأن العلماء يعلمون تأويله، وقول ابن جرير الطبري في تفسيره المعروف (القول في تأويل قوله كذا)، الأمر الذي يشعر بأنه يتبنى هذا المبنى. الثاني: وهو الاتجاه الذي يرى أن كلمة التأويل تختلف عن كلمة التفسير في بعض الحدود، وهناك بعض الآراء بخصوص تحديد الاختلاف في هذا الاتجاه، وهي: 1 - الرأي الأول: وقد لوحظ فيه طبيعة المجال المفسر، إذ يرى بعضهم أن الاختلاف بين التأويل والتفسير هو اختلاف بين العام والخاص. فالتأويل مختص في خصوص الكلام الذي له معنى ظاهر فيحمل على غيره فيكون هذا الحمل تأويلا. وأما التفسير فهو أعم منه لأنه بيان مدلول اللفظ مطلقا سواء كان على خلاف المعنى الظاهر أو لا. 2 - الرأي الثاني: وقد لوحظ فيه نوع الحكم فيقال بأن التفسير يصدق على خصوص الموارد التي نتمكن فيها من كشف معنى القرآن المراد من الكلام القرآني بدرجة القطع، وذلك باعتبار وجود الوضوح في نتيجة الكشف حتى لو كان هذا الكشف مستندا إلى أدلة وقرائن أخرى غير اللفظ. وأما إذا بقي هناك احتمال إرادة معنى آخر وإن كان هذا الاحتمال بدرجة ضعيفة فإن بيان المعنى هنا هو تأويل لا تفسير. وهذا يعني أيضا أن أحكام المفسر أحكام قطعية، بينما تكون أحكام المؤول أحكاما ترجيحية. 3 - الرأي الثالث: وهو الرأي الذي يقول بالفرق بينهما على أساس الدليل والمستند الذي يستند إليه في عملية الكشف. فإن كان دليل الكشف عن المعنى دليلا عقليا فهو التأويل وإن كان الدليل على الكشف دليلا شرعيا فهو التفسير. الموقف الصحيح من هذه الآراء: والموقف من هذه الآراء هو أن البحث في التمييز بين التفسير والتأويل والنسبة بينهما، تارة يدرس من زاوية اصطلاحية في علوم القرآن، وحينئذ يمكن قبول أي من هذه الآراء الثلاثة السابقة، لأنه لا مشاحة في المصطلحات، إذ المصطلح هو عبارة عن لفظ يتواطأ عليه العلماء في عملية وضع مقصودة وضمن إطار العلم المعين ووفق أهداف علمية صحيحة، ولكل عالم الحق في تحديد ما يريده مما وضعه من مصطلح وفق هذه الأهداف للتعبير عن مقاصده. ولكن لو درسنا هذا البحث من زاوية أخرى وهي زاوية المدلول القرآني لهاتين الكلمتين باعتبار استخدامهما في القرآن الكريم ومن ثم لا بد من افتراض معنى قرآني مدلول معين لهما يراد الكشف عنه، فحينئذ لا يكون هذا البحث بحثا اصطلاحيا، بل هو بحث موضوعي. وعلى هذا لا يصح اتخاذ المعنى الاصطلاحي لكلمة التأويل كمعنى وحيد للفظ بحيث نفهم كلمة التأويل على أساسه حتى وإن جاءت في النص القرآني أو النصوص النبوية. وبمراجعة مجموع الآيات القرآنية التي استخدمت فيها كلمة التأويل نجد أن كلمة التأويل لا ترادف كلمة التفسير ولا تعني مجرد الكشف والإبانة عن المعنى، بل تعني شيئا آخر وهو ما يؤول إليه الشئ، حيث وردت كلمة التأويل في القرآن في موارد منها في سورة الإسراء: "وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير وأحسن تأويلا" (الاسراء 35). ويراد من التأويل في كما قلنا هو ما يؤول إليه الشئ، و لا توجد آية من هذه الآيات يحتمل فيها أن يكون معنى التأويل هو التفسير، سوى آية آل عمران، وذلك لأن التأويل فيها أضيف إلى الآيات المتشابهات. ولهذا ذهب كثير من مفسري هذه الآية إلى القول بأن تأويل الآية هو تفسيرها وبيان مدلولها. وتدل الآية عندئذ على عدم جواز تفسير الآية المتشابهة، ومن ثم يبقى قسم من القرآن الكريم مستعصيا على فهم الإنسان الاعتيادي ولا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم. والصحيح: أن الذي حمل هؤلاء المفسرين على هذا الرأي هو انسياقهم مع المعنى الاصطلاحي لكلمة التأويل.
جاء في كتاب علوم القرآن عن القصص القرآنية للسيد محمد باقر الحكيم: دراسة قصة موسى عليه السلام: الآيات التي جاءت في سورة الإسراء وهي قوله تعالى: "ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات فاسأل بني إسرائيل إذ جاءهم فقال له فرعون اني لأظنك يا موسى مسحورا * قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء الا رب السماوات والأرض بصائر واني لأظنك يا فرعون مثبورا * فأراد أن يستفزهم من الأرض فأغرقناه ومن معه جميعا * وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا" (الاسراء 101-104). ويلاحظ في هذا المقطع القرآني من القصة ما يلي: اولا: أنه جاء في سياق المطاليب التعجيزية المتعددة التي كان يقترحها المشركون والكفار على الرسول صلى الله عليه وآله وعدم اكتفائهم بالقرآن الكريم دليلا ومعجزة على النبوة: "ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل فأبى أكثر الناس الا كفورا * وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا * أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا * أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا" (الاسراء 89-93).
ثانيا: إن القرآن الكريم يعقب على القصة بالحديث عن القرآن بقوله: "وبالحق أنزلناه وبالحق نزل وما أرسلناك الا مبشرا ونذيرا" (الاسراء 105). ثالثا: إن القرآن لم يشر في هذا المقطع من القصة الا إلى الآيات التسع التي جاء بها موسى، ورفض فرعون لدعوته ومصيره نتيجة لهذا الرفض. ويمكن أن نستنتج من هذه الملاحظة: أن القصة انما جاءت هنا شاهدا على أن هذه المطالب المتعددة التي صدرت من الكفار لم تكن بسبب حاجة نفسية يحسها هؤلاء الكافرون تجاه هذه المطاليب وانما هو أسلوب عام يتذرع به الكفار للتمادي في الضلال والاصرار عليه، والشاهد على ذلك قصة موسى عليه السلام، حيث جاء موسى بتسع آيات ومع ذلك فقد كان موقف فرعون منها موقف المكذبين، بالرغم من أن هذه الآيات التسع جاءت في أزمنة متعددة. فالسياق هو الذي فرض الاتيان بالقصة على أساس الاستشهاد بها وهذا شئ تفرضه طبيعة الواقع التأريخي لرسالة موسى الذي أرسله الله سبحانه بالآيات التسع. كما أن التكرار كان بسبب تأكيد مفهومين: الأول: أن طلبات الكفار وتمنياتهم ليست نتيجة لواقع نفسي يدعوهم إلى الشك بالرسالة ويفرض عليهم التأكد من صحتها، ولا يكون عدم اتيان الرسول بمطاليبهم حينئذ بسبب فقدان صلته بالسماء، وانما بسبب كفاية القرآن الكريم لإقامة الحجة عليهم، كما دلت الآية الكريمة بعد القصة على ذلك. الثاني: ان مصير هؤلاء المكذبين كمصير فرعون من الهلاك والهزيمة، وان اتباع النبي يصيرون إلى ما صار عليه بنو إسرائيل من وراثة الأرض.
https://telegram.me/buratha