الصفحة الإسلامية

اشارات الشهيد السيد محمد باقر الحكيم عن القرآن الكريم من سورة الكهف (ح 49)


الدكتور فاضل حسن شريف

جاء في كتاب علوم القرآن عن القصص القرآنية للسيد محمد باقر الحكيم: دراسة قصة موسى عليه السلام: الآيات التي جاءت في سورة الكهف والتي تبدأ بقوله تعالى: "وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا * فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سربا" (الكهف 61-62) والتي تختم بقوله تعالى: "وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا" (الكهف 82). ويبدو هذا المقطع منفصلا عن قصة موسى المذكورة في مواضع مختلفة من القرآن الكريم، لأنه يتحدث عن جانب معين من شخصية هذا الانسان يختلف عن الجوانب الأخرى التي تصورها القصة، والتي تظهر فيها شخصية موسى النبي صاحب الرسالة والدعوة الذي يجاهد من أجل التوحيد وإقامة العدل الإلهي والدفاع عن المستضعفين، أو تتحدد فيها معالم هذه الشخصية من خلال سيرته ونشأته الذاتية، أما هنا فيبدو موسى الانسان الذي يسير في طريق التعلم والحريص على تفسير الظواهر غير العادية. وحين نلاحظ أن القرآن الكريم يأتي بهذا المقطع في سياق قوله تعالى: "وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا * وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا" (الكهف 58-59). قد نستنتج أن الاتيان به كان من أجل التدليل على مدى مطابقة الحكمة الإلهية للمصلحة وانسجامها مع واقع الأشياء مهما بدت غير واضحة المقصد والهدف. فان هاتين الآيتين اللتين جاء المقطع في سياقهما تشيران إلى وجود حكمة الهية من وراء تأخير العذاب وعدم التعجيل به مع استحقاق الظالمين له، مع أنه قد يبدو في النظرة السطحية الانسانية ان التعجيل بالعذاب أوفق بالمصلحة، حيث يكون رادعا للآخرين عن الظلم، فجاء المقطع تأكيدا لحقيقة الحكمة الإلهية ونظرتها البعيدة، وان هذه الحكمة قد تخفى حتى على الأنبياء أنفسهم، حيث نلاحظ في هذا المقطع ثلاثة أعمال وتصرفات يقوم بها العبد الصالح كلها تبدو في ظاهرها أنها بعيدة عن العدل والمصلحة، الامر الذي يثير استغراب موسى إلى الحد الذي يجعله يتخلى عن التزامه السابق بعدم السؤال، ثم يشرح العبد الصالح هذه الأعمال ويبين مدى انسجامها مع العدل والمصلحة العامة. فالسياق العام للسورة هو الذي فرض الاتيان بالقصة في هذا المورد، ولا حاجة إلى تكراره في مواضع أخرى مستقلا أو في سرد الحوادث لأنه، لا يحقق الغرض الذي جئ به في هذا المورد.

جاء في كتاب علوم القرآن عن القصص القرآنية للسيد محمد باقر الحكيم: أهداف تربوية أخرى: وبيان أغراض آخري ترتبط بالتربية الاسلامية وجوانبها المتعددة، فقد استهدف القرآن بشكل رئيس تربية الانسان على الايمان بالغيب وشمول القدرة الإلهية لكل الأشياء، كالقصص التي تذكر الخوارق والمعاجز كقصة خلق آدم، ومولد عيسى، وقصة إبراهيم مع الطير الذي آب إليه بعد أن جعل على كل جبل جزءا منه، وإحياء الله له بعد موته مائة عام. كما استهدف تربية الانسان على فعل الخير والأعمال الصالحة وتجنبه الشر والفساد، وذلك ببيان العواقب المترتبة على هذه الأفعال، كقصة النبي آدم وقصة صاحب الجنتين، وقصص بني إسرائيل بعد عصيانهم، وقصة سد مأرب، وقصة أصحاب الأخدود. ومما استهدفه القرآن الكريم في التربية الاستسلام للمشيئة الإلهية والخضوع للحكمة التي أرادها الله سبحانه من وراء العلاقات الكونية والاجتماعية في الحياة، وذلك ببيان الفارق بين الحكمة الإلهية ذات الهدف البعيد والعميق في الحياة الانسانية والفهم الانساني للظواهر في الحياة الدنيا، والحكمة الانسانية القريبة العاجلة، كما جاء في قصة موسى التي جرت مع عبد "مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا" (الكهف 65) إلى آخر ذلك من الأغراض الوعظية والتربوية الأخرى التي سوف نطلع على بعضها في دراستنا التفصيلية لقصة موسى عليه السلام.

جاء في كتاب علوم القرآن عن مفهوم التأويل للسيد محمد باقر الحكيم: تأويل الأحاديث الذي أشار إليه القرآن الكريم في قصة يوسف عليه السلام، حيث أمكن ليوسف أن يفهم من الرؤيا التي رآها الملك هذا المعنى الخاص الذي يمثل باطنا للصورة الظاهرية التي انعكست في ذهنه عند الرؤيا، فالبقرات العجاف والسنابل اليابسة هي سنين القحط، والبقرات السمان والسنابل الخضراء هي سنين الرخاء، وكذلك الرؤيا التي رآها السجينان في السجن ومداليلها الباطنية. ان أهل البيت عليهم السلام ركزوا بشكل واضح في هذه الروايات - على اختلافها على قضية التأويل والظاهر والباطن، وهذا الموضوع مما أجمع المسلمون على صحته ونسبته للقرآن الكريم وإن اختلفوا في تحديد مفهومه. ومن أجل أن تتضح الفكرة الأساسية في نظرية أهل البيت بشكل أفضل، بحيث تنسجم مع ما ورد في القرآن الكريم من نصوص من ناحية ومع المضمون الاجمالي للروايات السابقة من ناحية أخرى، يحسن بنا أن نقف عند كلمة التأويل بعض الشئ، ويمكن من خلالها أن نفهم الباطن والمتشابه أيضا إضافة لى التوضيحات التي قدمها العلامة الطباطبائي في بحثه السابق. لقد اختلف علماء الاسلام والقرآن بشكل خاص حول تحديد المقصود من كلمة التأويل خصوصا المعنى المصطلح لها، ونحن هنا لا نريد أن نعالج الجانب الاصطلاحي ولا حتى الجانب اللغوي المفهومي لها، إذ يمكن معرفة ذلك من خلال بحثنا السابق في التفسير والتأويل. وإنما نريد أن نعالج هنا مدلول الكلمة قرآنيا على مستوى تفسير المعنى وتشخيص المصداق، من خلال مراجعة الآيات الشريفة التي وردت في القرآن الكريم وسياقها. وفي هذا المجال يمكن أن نرى أمامنا إرادة المصاديق من القرآن الكريم منها في سورة الكهف الآيتان "قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا" (الكهف 78) و "وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا" (الكهف 82) حيث يراد بالتأويل منهما بيان سلامة وصحة سلوك العبد الذي آتاه الله من لدنه علما وانسجامه مع الحق والعدل والمصلحة، مع أنه كان يبدو بحسب الظاهر الذي كان يراه موسى عليه السلام أنه غير منسجم مع الشرع والمصلحة العقلائية، ولذا أثار استغرابه وتعجبه وتساؤله.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
آخر الاضافات
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك