الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في كتاب عصمة المعصوم عليه السلام وفق المعطيات القرآنية لمؤلفه الشيخ جلال الدين الصغير: فالأمر الإلهي المبتدىء بكلمة: "فَقُلْ" والذي جاء عقب التحاجج في مسألة ربّانية "فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ" (ال عمران 162)، وما يفضي إليه حديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في متعلّقات الأداء والتبليغ وتبيانه أنه مأمور بذلك من قبل الوحي، وما أشرنا إليه من إطلاق النبوّة والنسوة على نفس الواحدة ، وتطابق بنوة الحسن والحسين عليهالسلام ونسوية الزهراء الطاهرة عليهاالسلام لكل من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والإمام عليهالسلام ، وما بيّناه بكون الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لا يخرج عن انه متمحّض في رسالته، كلها قرائن واضحة في أن المراد هنا في النفس هو المقام الربّاني والذي نسمّيه بالامتداد وهو لا ينحصر بالرحم كما حاولت كتب القوم توجيه الأمر. ولو قرنا بهذه القرائن اصرار النبي صلىالله عليه وآله وسلم على عدم ادخال أحد مع هؤلاء الأربعة مع صغر سن ثلاثة منهم قياساً لوجود غيرهم من الأقارب والأصحاب، وهو أمر سنراه يتكرر في آية التطهير، مع وجود من له خاصية قريبة منه كزوجاته وجعفر بن أبي طالب وعمّاته وغيرهم، لرأينا أن القضية بكل تفاصيلها متعلّقة بشرط ربّاني مرتبط بصورة مباشرة مع المؤهلات الذاتية المتعلّقة بهؤلاء الأربعة دون سواهم، وهو ما نلمحه واضحاً في حديث الآية الكريمة عن صيغة الملاعنة: "فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ" (ال عمران 61) فلو لا الصدق الذي يتملّك هؤلاء لما كان الأمر الإلهي بهذه الصيغة، فأي حكيم يطلب من فاقد الشرط التحاجج ضد الآخرين بما يفقده؟! ولما بادر هؤلاء مبادرة المختار، فأي عاقل يقبل بملاعنة ستؤول نتائجها عليه في كل الحالات؟
وعن اية التطهير ودلالاتها الحاسمة يقول الشيخ جلال الدين الصغير: ولا يتوقف الأمر عند آية المباهلة بل إننا نلحظ أن دلالة آية التطهير : "إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً" (الاحزاب 33) هي الأخرى تشير إلى نفس المواصفات التي ذكرناها ، فهي تحدد العصمة في نفس الوقت الذي تحدد فيه حقيقة الامتداد الرسالي بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. فلقد تواترت رواية القوم بطرق متعددة أن الآية نزلت بحقّ الخمسة من أهل الكساء صلوات الله عليهم أجمعين، ورواياتهم في هذا المجال كثيرة جداً، وسأكتفي بذكر بعضها كأمثلة لا تعني الحصر ، فلقد روى الحاكم في المستدرك عن جعفر بن أبي طالب عليهالسلام أنه قال: لما نظر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الرحمة هابطة قال : ادعوا لي ادعوا لي ، فقالت صفية عمته: من يا رسول الله؟ قال : أهل بيتي علياً وفاطمة والحسن والحسين، فجيء بهم فألقى عليهم النبي صلىالله عليه وآله وسلم كساءه ثم رفع يديه ثم قال: اللهمّ هؤلاء آلي فصل على محمد وعلى آل محمد، وأنزل الله عزّوجلّ: "إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً" (الاحزاب 33) قال الحاكم: هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه.
ويستطر الشيخ الصغير عن آية التطهير قائلا: وروى مسلم في صحيحه عن عائشة قولها: خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله ثم قال: "إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً" (الاحزاب 33). وروى الطبري ، عن أبي سعيد الخدري قوله : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : نزلت هذه الآية فيَّ وفي علي وحسن وحسين وفاطمة: "إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً" (الاحزاب 33). وروى أحمد بن حنبل عن أنس بن مالك قوله: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يمر ببيت فاطمة ستة أشهر إذا خرج إلى الفجر فيقول: الصلاة يا أهل البيت، إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً. وأخرج الترمذي عن عمر بن أبي سلمة ربيب النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً" (الاحزاب 33) في بيت أم سلمة، فدعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة وحسناً وحسيناً فجلّلهم بكساء وعليّ خلف ظهره فجلّله بكساء ثم قال: اللهمّ هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً. قالت أم سلمة: وأنا معهم يا رسول الله؟ قال: أنت على مكانك وأنت إلى خير.
https://telegram.me/buratha