الصفحة الإسلامية

مفهوم العصمة في القرآن الكريم عند الشيخ جلال الدين الصغير من كتابه عصمة المعصوم (ح 15)


الدكتور فاضل حسن شريف

يقول الشيخ جلال الدين الصغير عن اشكالية سياق آية التطهير: ان إشكالية السياق هي إحدى أهم الإشكالات التي اعترضت فهم الآية لدى من شكك بعصمة أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين، فمن جهة كان الخطاب السابق واللاحق واضحاً في طبيعة توجهاته كما نراه في قوله سبحانه وتعالى: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً * يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً * وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً * يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاَةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً" (الاحزاب 28-34) ووضوح الخطاب منطلقاً في كونه متوجهاً إلى نساء النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم وقد استخدم المخاطب نون التأنيث في التحدّث مع مخاطبه ، ولم يشذّ عن ذلك سوى المقطع الذي تكمن فيه آية التطهير، فقد تحوّل الخطاب من التأنيث إلى التذكير، وفي الوقت الذي كان الحديث في الآيات عاماً، جاء الحديث في الآية مسبوقاً بكلمة: "إِنَّمَا" التي تفيد الحصر والتخصيص، وفي الوقت الذي كان فيه الحديث في الآيات عن البيوت في صفة التنكير، جاء الحديث هنا عن البيت وهو محلّىً باللام العهدية التي تفيد التخصيص والتعريف. وقد حدت هذه المشكلة بالكثير من المفسّرين إلى اعتماد مواقف متضاربة، فمنهم من رأى أن السياق واحد، وأن الكلام متوجه إلى نساء النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم متحججاً في ذلك بظاهر القرآن، ولكنه اعتمد تفسيرات وخرج باستنتاجات لا تستطيع في أحسن الأحوال تبرير ما يلحظ من اختلاف نبرة الخطاب واتجاهه من مفردات التأنيث إلى التذكير، فيما رأى البعض الآخر اختلاف وحدة السياق، وأن الآية وضعت في موضعها الحالي دون أن تحكمها وحدة بينها وبين ما سبقها وما تلاها، فيما سكت البعض الآخر عن المشكلة متفادياً الولوج في معتركاتها، وإن أشار بعضهم إلى بعض ما يترتب على سياقها. التعميم يغيب في آية التطهير، فيتغيّر الكلام من طلب الفعل المتضمن للتهديد والوعيد إلى التحدّث بحفاوة بالغة عن خصوصية من يسميهم بأهل البيت، مع تغيير لغة الخطاب من التأنيث إلىالتذكير ، دون أن تجد في خطابه أدنى صورة من صور الطلب الذي حفّ بكل الآيات المحيطة ، بالشكل الذي يقطع علينا الطريق في ادعاء أن المخاطب في الآيات كان واحداً، بل يجبرنا على تقبل حقيقة أن المخاطبين كانوا عبارة عن جهتين مختلفتين بشكل كلي في المواصفات والمؤهلات، ويفيدنا وجود أداة الحصر: "إِنَّمَا" على تأكيد هذا المضمون، فبعد أن كان الحديث عاماً مع تنكير البيوت انسجاماً مع هذا التعميم، جاءت كلمة: "إِنَّمَا" مقرونة بتعريف البيت في هذه الآية كي تفيد التخصيص وتخرج الآية من التعميم الذي كان يسم فصولها الأخرى.

ويستطرد الشيخ الصغير عن اشكالية سياق آية التطهير قائلا: إن اختلاف المخاطب في استخدام الضمائر وتحويلها من جهة لأخرى من مألوفات القرآن، ويسمّى في علم المعاني بالالتفات، كما تجد في قوله تعالى: "هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ" (يونس 22)، فهنا تجده أبدل لغة الخطاب وضمائره عدة مرات ، دون أن يمنع بقاء السياق واحداً. وإن انتقال المخاطِب من حديث عن جهة إلى حديث عن جهة أخرى ثم العودة إلى الحديث عن الجهة الأولى هو أيضاً من حقائق البلاغة القرآنية، ويسمى عند أهل البلاغة بالاستطراد، ووظائف هذا الانتقال عادة ما تكون بغرض التنبيه ولفت الانتباه إلى الموضوع المنتقل إليه، كما نجد ذلك في قوله سبحانه وتعالى في سورة يوسف: "فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ * يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ" (يوسف 28-29) فلقد انتقل الخطاب من امرأة العزيز إلى يوسف عليه‌السلام بشكل معترض ومن بعده إلى امرأة العزيز ، ومثله كثير في القرآن. فإن وحدة السياق لا تمثّل في واقعها عبءاً ذا شأن أمام من يرى أن الآية لا تخصّ زوجات الرسول صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم، كما انها لا تمثل مغنماً لمن يريد تعميمها خارج نطاق الخمسة أصحاب الكساء عليهم‌ السلام، لا سيّما إذا ما تمعّنا في المغزى من استخدام القرآن لهذا الاسلوب، فمن الواضح أن القرآن كان في صدد توجيه نساء النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم تجاه متطلبات الهدابة الربانية ، وسط محفّزات عديدة ، منها ما كان محفّزاً في تحذيره كما في قوله تعالى: "يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً" (الاحزاب 30)، ومنها ما كان محفّزاً في ترغيبه كما في قوله تعالى: "وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً" (الاحزاب 31) وقد سارت عملية التحفيز وسط خيارين طرحهما الطلب الإلهي لهذه النساء والتي يعبّر عنها قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً" (الاحزاب 28-29) ومن الطبيعي أن تقترن هذه الخيارات بتحديد نموذج الأسوة البالغة لهما في السير تجاه ما طلبه الله، وحتى تكون هذه الأسوة في حدود الايفاء وفي كمال التحفيز، نوّه إلى طبيعة ما تفعله ارادة الله سبحانه وتعالى بالإنسان الراغب في طاعة الله جلّ وعلا والمؤهل لتلقّي الفيض الإلهي، بحيث أنها تبلغ به درجات التطهير الكاملة بعد أن تذهب عنه كل أنواع الرجس. وطالما اننا أدركنا أن المخاطب في مجموع الآيات ليس واحداً، وإنما هو متعدد بجهتين متفاوتتين في الخصائص والمؤهلات، فإننا لن نجد في وحده السياق في الآية الشريفة مبعثاً لمشكلة يمكن لها أن تعيق فهمنا للآية بطريقة تخلو من الاشكالات التي كنا سنواجهها لو قلنا بوحدة المخاطب في الآيات، وهذا الأمر سنلمسه أكثر أثناء بحثنا لبقية المسائل المعترضة في هذه الآية.

وعن إشكالية الارادة يقول الشيخ جلال الدين الصغير في كتابه عصمة المعصوم عليه السلام: وإشكالية طبيعة الارادة المطروحة في الاية الشريفة هي الأخرى تمثل أحد الإشكالات التي حاول غالبية المفسّرين والمتكلمين استغلالها للتعتيم على الجهة التي ميّزتها الآية الشريفة، فمن رأى في الآية الكريمة عدم تمايز أهل البيت عمّن سواهم ، قال بأن هذه الإرادة تشريعية كما ذهب إلى ذلك ابن تيمية وأمثاله، ومن قال بتمايزهم قال بأنها تكوينية، ومن حاول التنصل من أحدهما مع اعتماده له في مواضع أخرى وقع في تناقضات عدّة. وحتى نعرف جهة الحق في هذا المجال علينا أن نعرف وجه الفرق بين الاثنين ، فالارادة التشريعية هي مراد المشرِّع من المشرَّع له ، كما يريد الأب من ابنه أن يؤدي فروضه المنزلية، والطبيب من مريضه أن يأخذ الدواء، وكقوله تعالى: "وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ" (البقرة 110) ويلحظ على هذا النمط من الارادة أن المراد منه يمكن أن يتخلف ، فلا يؤدي الابن فريضته المنزلية ، ولا يأخذ المريض دواء الطبيب، ولا تقام الصلاة ولا تؤتى الزكاة، وسبب التخلف يعود إلى أن المريد ترك تنفيذ الارادة إلى المراد منه، دون أن يؤثر على هذه الإرادة بنحو مباشر.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
آخر الاضافات
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك