الدكتور فاضل حسن شريف
قال الله جل جلاله في آيات من سورة هود عن اهل مدين قوم نبي الله شعيب عليه السلام التي تكرر مفاهيم بعض آياتها كما في آيات سورة الاعراف التي تم التطرق لها في الحلقة السابقة "وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (84) وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (85) بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (86) قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88) وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ (89) وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (90) قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ (91) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (92) وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ (93) وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (94) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ (95)" (هود 84-95) ارسل الله تعالى نبي الله شعيب عليه السلام الى اهل مدين، فقال لهم ان يعبدوا الله وحده لا اله غيره، وايفاء الكيل للحاجيات التي يصعب وزنها والميزان للاشياء التي توزن، ولا يبخسوا اي يقللوا من الاشياء التي تكال او توزن عند بيعهم اياها للناس، فان حصل بخس فان ذلك نوع من الفساد في الارض، وتعثوا اي اشد الفساد، والاخ اشارة ان شعيبا انه من اهلها. فان فعلتم الاصلاح فهذا الفعل من افعال المؤمنين الخيرة. من صفات الانبياء عليهم السلام خوفهم على قومهم من ان يصيبهم العذاب كما خاف نبي الله شعيب عليه السلام على قومه من عذاب يوم محيط اي عذاب يحيطكم من جميع الجوانب الذي لا مفر منه. ان كل نبي في قومه هو بقيت الله، ووجوده خير لقومه ليحولهم من الكفر الى الايمان، والله تعالى هو حافظهم طالما هم مؤمنين، وان شعيب عليه السلام لا يستطيع حفظهم وانما هو مبلغ لرسالة ربه عز وجل. فرد قومه عليه قائلين: اصلاتك اي كتابك المنزل يأمرك ان نترك ما كان يفعله الآباء من عبادة غير الله تعالى ومن بخس المكيال والميزان ونتصرف بأموالنا كما نشاء فانك الحليم الرشيد، استهزاءا بشعيب عليه السلام وأقواله. فرد شعيب عليه السلام عليهم قائلا بعد ان جاءتني البينة اي الحجة الواضحة ورزقني بان جعلني اعبده لا اشرك به شيئا وابتعد عن البخس بالمكيال والميزان والابتعاد عن الفساد في الارض، والفساد عكس الاصلاح الذي اطلبه منكم. واطلب التوفيق من الله على عملي هذا معكم واني توكلت على الله ولن اتراجع عنه، وانيب وارجع اليه سبحانه وتعالى. ولا يحميلنكم شقاقي اي اختلافي معكم في العقيدة ان تصروا على عقيدتكم الزائفة كما حصل من العواقب السيئة لاقوام نوح وهود وصالح عليهم السلام واقربهم لكم قوم لوط عليه السلام. فما عليكم ان تستغفروا ربكم الله على ما كنتم تعتقدون وتفعلون، فتوبوا الى الله فهو الرحيم والودود على عباده التائبين. فأجابوه قائلين: يا شعيب ما نعلم ونفقه كثيرا ما تقوله لنا، وانت في اعتقادنا ضعيف لا قوة لك و لا تستطيع مجابهتنا، ولولا رهطك اي اهلك قليلي العدد المقربين و كونك تنتمي الى قومنا لقتلناك. فرد عليهم هل ان اهلي اعز عليكم من الله رب العباد الذي جعلتموه وراء ظهوركم، فالله عز وجل عارف بما تفعلون. فانا على عملي وانتم على عملكم فننتظر ونرقب من الكاذب الذي سيأتي عليه العذاب. فعندما جاء امر الله تعالى نجى الله سبحانه نبيه شعيب عليه السلام والذين آمنوا معه برحمته سبحانه، ونزلت على قوم مدين الصيحة فاهلكتهم جاثمين صرعى موتى. فمرة نزلت عليهم رجفة كما جاء في سورة الاعراف " فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ" (الاعراف 91) واخرى صيحة "وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ" (هود 94). ولم يغنوا فيها اي يبقوا في مكانهم متنعمين كما حصل لما قبلهم من العذاب وهم قوم ثمود.
قال الله عز من قائل عن قوم شعيب في سورة الشعراء في تفاصيل ذكرت قسم منها في سورتي الاعراف وهود "كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (176) إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ (177) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (178) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (179) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (180) أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (181) وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ (182) وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (183) وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ (184) قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (185) وَمَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (186) فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (187) قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ (188) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (189) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (190) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (191)" (الشعراء 176-191) اصحاب الايكة اي الذين انعم الله عليهم الارض ذات الاشجار الكثيفة التي تسمى الايكة وهم نفسهم اهل مدين قوم شعيب كما جاء ايضا في سورة ص "كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ (12) وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ ۚ أُولَٰئِكَ الْأَحْزَابُ (13) إِن كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ (14) وَمَا يَنظُرُ هَٰؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ (15) وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ (16)" (ص 12-16)، والذين كذبوا رسل الله تعالى، حيث قال لهم نبي الله شعيب عليه السلام لا تعصوا الله ربكم بافعالكم فانا رسول رب العالمين امين على رسالته، فعليكم بطاعة الله وتقواه، ولا اطلب أجر على رسالتي منكم وانما احصل على الاجر من ربي وهو رب العالمين. فعليكم بايفاء الكيل للحاجيات التي يصعب وزنها والميزان للاشياء التي توزن، ولا تكونوا من المخسرين اي تقللوا من الاشياء التي تكال او توزن عند بيعكم اياها للناس، وان يكون ميزانكم دقيق جدا اي العادل بدقته او القسطاس المستقيم، ولا تبخسوا اي تقللوا من الاشياء التي تكال او توزن عند بيعكم اياها للناس، فان حصل بخس فان ذلك نوع من الفساد في الارض. وكرر شعيب عليه السلام كلمة التقوى اي عدم عصيان الله عز وجل وفعل المنكرات، فعليكم بتقوى الله الذي خلقكم والجبلة الاولين اي الخلق او الخليقة الاولين الذين سبقوكم. فأجابوه قائلين: يا شعيب كانك اصبت بالسحر فكذبت علينا ولا فرق بينك وبيننا فكلنا بشر. فان كنت صادقا فاسأل ربك ان يسقط علينا من السماء كسفا اي قطعا من العذاب. فرد عليهم ان ربي الله سبحانه اعلم بما تفعلون وتقولون. ولكنهم استمروا بتكذيبهم لنبيهم شعيب عليه السلام فاخذهم الله تعالى بانزال العذاب في يوم عظيم المرارة فمرت عليهم سحابة تظللهم فاذا بها تحولت الى كتلة من النار احرقتهم، فهي آية لعل الاخرين يعتبرون منها بان يؤمنوا بالله الواحد الاحد العزيز القوي على الظالم الكافر، والرحيم على المؤمن الصالح، ولكن اكثر الناس لا يؤمنون وكما قال الله تعالى كذلك في سورة الحجر "وإِن كَانَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ * فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ" (الحجر 78-79)، و في سورة ق "كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ * وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ * وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ" (ق 12-14).
https://telegram.me/buratha