الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في كتاب عصمة المعصوم عليه السلام وفق المعطيات القرآنية لمؤلفه الشيخ جلال الدين الصغير عن ضم الأزواج إلى أهل الكساء: ولا يمكننا في هذه العجالة أن نفوت الحديث عن طبيعة الانسجام ما بين الأمر الإلهي للأزواج باختيار الله ورسوله أو عدم الاختيار، والتصاق صفة التطهير بهنّ إن كنّ قد دخلن في حدود هذه الآية، وذلك لوجود ترابط حقيقي بين ما يفترضه أمثال الضحاك ومقاتل وغيره في الآية من وصفها للزوجات بصفة أهل البيت، وبين المسؤولية الأخلاقية والشرعية التي تفرضها عليهنّ مجموع الآيات بشكل عام، والآية بشكل خاص، فلو حدّثنا الصادق بأنهنّ اخترن الله ورسوله فقد زالت بذلك واحدة من العقبات التي تقف دون وصفهنّ بهذه الصفة، وإن كان الأمر بالعكس فإنه سيحسم النزاع في هذا الشأن بصورة قطعية، ولا أقل من جهة انسلاخهنّ عن أمر اختيار الله ورسوله. وفي هذا المجال لنأخذ صورة عائشة التي يختارها القوم بعنوانها أفضل أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويروون بها من أحاديث التفضيل حتى في ما لا يصلح في لغة البلغاء للتفضيل لتكون نموذجاً تقاس به هذه الأمور في هذه الآية، ولن نستغرق في الحديث كثيراً، بل سنقدّم صورة موجزة لما تواتر عن أفعالها، فلو أخذنا موضع الأمر الإلهي في نفس آية التطهير "وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ" (الاحزاب 33) فماذا سنجد؟ وماذا سيحدّثنا تاريخها؟ يقول عمارة بن عمير: انه سمع من يحدّثه عنها أنها كانت إذا قرأت الآية تبكي حتى تبلّ خمارها ندماً على ما اقترفت يداها في معركة الجمل، هذا رغم كل ما بدر من تنبيه الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم لها في قصة: كلاب الحوأب وهي كما ينقلها معمر بن راشد في كتابه الجامع: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لنسائه: أيتكنّ نتبحها كلاب ماء كذا يعني الحوأب ، فلما خرجت عائشة إلى البصرة نبحتها الكلاب فقالت: ما اسم هذا الماء؟ فأخبروها فقالت: ردّوني، فأبى عليها ابن الزبير. وقد بلغ من ندمها على ما يحكيه أنصارها أنها كانت تقول وفق ما رواه الحاكم في المستدرك: وددت أني كنت ثكلت عشرة مثل الحارث بن هشام وأني لم أسر بمسيري مع ابن الزبير. وعلى أي حال يمكن لنا أن نتسائل جدلاً مع هؤلاء عن طبيعة ما اختارته عائشة في هذا المجال فهل اختارت الله ورسوله فبقيت ضمن آية التطهير؟ فإن قالوا: اختارت الله ورسوله ، قلنا : كيف؟ وقد خالفت أبسط الأوامر التي صدرت لها من الله في الآية في قوله : "وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ" (الاحزاب 33)، ناهيك عن قائمة طويلة من الشغب الذي يثار حسداً وغيرة بنص الكثير من روايات القوم مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، مهما فسّر ذلك بغيرة النساء وما إلى ذلك من تفسيرات اعتدناها من القوم، وليس أدلّ على ذلك من آيات سورة التحريم "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ * إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ * عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً" (التحريم 1-5). ومن المعلوم ان عائشة لو خرجت من هذا القيد، فقدرج من سواها من أمهات المؤمنين.
ويستطرد الشيخ الصغير قائلا: يتصوّر بعض السذّج ان مقام أم المؤمنين ينطوي على مناقبية خاصة بحيث ان من حظيت بهذه الصفة كانت مزكاة، والحال ليس على هذه الشاكلة أبداً فأمهات المؤمنين فيه قيد تشريعي وقيد مقامي، أما القيد التشريعي فهي حرمتها الأبدية على المؤمنين، بحيث ان الرسول عليهالسلام إذا ما انتقل إلى جوار ربه تنسدل حرمة الزواج عليهن من غيره بشكل مطلق ودائم، أما القيد المقامي فهو ما عبرت عنه الآية الشريفة "يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً * وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً" (الاحزاب 30-31) فهنّ كغيرهنّ ، والأمر نفسه في حال الفحش، ولا دلالة على التزكية لهذا المقام بحدّ ذاته أبداً، بل لربما نجد في الآية الكريمة "ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلاَ النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ" (التحريم 10) توضيح إلهي لحسم الأوهام الناشئة في هذا المجال. وليس لي بعد هذا القول، إلاّ أن أردد هذه الآيات التي وجدتها تصدق على واقع ما يفكّر به القوم ، وبين ما يريد القرآن الكريم لهم أن يفهموه :"قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * وَمَنْ لاَ يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولئِكَ فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ" (الاحقاف 30-32) ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
يقول الشيخ جلال الدين الصغير عن أقارب النبي هم أهله وعشيرته: فالحديث عن النساء جاء مفاجئاً، لا ربط له بما يسبقه، ومعلوم أن بني أمية أرادوا أن تحلق النساء بالآية حتى يتخلّصوا من تبعاتها وما يترتب عليها، وزمان الخبر هو نفس زمان الخبر السابق عن عكرمة البربري المتقدم. إن الخبر باضافته الحالية يتعارض مع التخصيص الذي ألفته الأحاديث المتواترة دون وقوع هذه الزيادة فيه، وبالنتيجة يرد عليه الكثير مما لاحظنا سابقاً. لو سلمنا بأن الأمر كما تقول الرواية، فلا يخلو من وجوب التخصيص لكثرتهم من جهة، ولتنوع مقامهم في الشأن الديني من جهة أخرى، ففي الأرقاب والصلب من ليس على دينه، خاصة وأن الآية نزلت والعباس وأولاد أبو لهب عتبة وعتيبة وغيرهم لم يسلموا بعد ، ووجوب التخصيص يحتاج إلى ضابطة، والصدقة ضابطة لا تصلح للتخصيص لكونها تجمع بني هاشم بأجمعهم، وليس خاصة بمن ذكر، كما وأن الإسلام لو قالوا بحصر الأمر بالمسلمين منهم ليس ضابطة حصرية تؤخذ في هذا المجال، لوضوح أن المطلوب ليس هو الإسلام بل هو الإيمان كما هو مشار إليه في الآية الكريمة "قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ" (الحجرات 14) فإن قيل بصفوة هؤلاء، فلا يخلو الأمر من القول بأن المراد أفضل الأقارب وأزكاهم، وقد تضافر حديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عن تخصيص أحاديثه عن أهل بيته، بالأربعة من اهل الكساء عليهمالسلام، وبهذا يلتقي الخبر مع بقية الروايات ، وهي الأكثر تواتراً.
https://telegram.me/buratha