الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في كتاب عصمة المعصوم عليه السلام وفق المعطيات القرآنية لمؤلفه الشيخ جلال الدين الصغير: ومن يعرف سمو الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأخلاقية الرسل عليهم السلام لا يشك لحظة في أن خشيتهم وخوفهم إنما يكمن في تكذيبهم من قبل الناس، كما حكى الله سبحانه وتعالى عن موسى عليه السلام بقوله "قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ" (الشعراء 12) وقوله "إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ" (القصص 34) وما من شيء يخافه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ويخشاه بأكثر من أن يعتبر الناس ان أمره مكذوب على الله سبحانه وتعالى أو انه لا يتم وفق مبادئة الرسالية المعلنة، ومن يعرف تاريخه صلى الله عليه وآله وسلم يعرف كم من مرة ومرة أعاد إليه بعض الأصحاب تذكر هذه المرارة، حينما تراهم يجبهونه بقولهم له: منك هذا، أم من الله؟ متناسين في ذلك قول الله لهم انه لن ينطق عن الهوى وإنه لن يتقوّل على بعض الأقاويل، فما بالك بعظيماتها؟ وأي شيء يمكن أن يغري أصحاباً مثل إغراء عدم الضلال أبداً الذي عرضه عليهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم؟ وهم الأصحاب الذين وصفوهم بأنهم كانوا التجسيد الكامل لقوله تعالى: "كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ" (ال عمران 110) وقوله تعالى: "مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَه فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً" (الفتح 29).
ويستمر الشيخ الصغير متدثا عن حديث الثقلين بالقول: وتشير الدلالات التي تبرز لنا من خلال طيّات حديث الثقلين إلى أن الحديث الشريف أكثر من أن يحصر نفسه في دائرة الحب المجرد والعاطفة العامة لما ترك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعناه بالثقلين، فمع تأكيده بأن الضلال لن يقارب الأمة طالما تمسكت بهما ، يغدو حديث الكثير من مفسري العامة لهذا الحديث والمبتني على أساس الحب والعاطفة المجردين محض وهم، إن لم نقل بأنه محاولة لتغريغه من محتواه الحقيقي، فالهدى لا يدرك كما أن الضلال لا يبعد لمجرد الحب، كيف؟ وقد رأيت القرآن الكريم يتحدّث عن حب أقوام ومودتهم وليس في محبتهم إلاّ الردى والضلال "لاَ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ" (المجادلة 22). وباعتبار ان الدستور يمثل نصاً جامداً غير ناطق، فإن الدول افترضت وجود جهات يتم من خلالها حسم الأمور التي تغدو مورد تجاذب بين المتصارعين باسم هذا الدستور، ولو أخذنا هذا المثال وحاولنا فهم الصورة الدستورية لمجتمع ما بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، لوجدنا ان الأمر يتشابه إلى حد بعيد ، ولكن بفارق واحد هو ان النص القرآني لا يمكن التلاعب به ، ولا يصلح للتغيير ، أما إمكانية فهمه وتطبيقه بأوجه متعددة فإن القرآن هو من تحدّث عنه فقال: "هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ" (ال عمران 7) ولهذا تجه قد شخّص بصورة فورية ان هذا التشابه الذي يكون في العادة هو مورد التلاعب والاختلاف لا يمكن حسمه إلاّ من خلال مرجعيتين ثابتة ومتحركة ، أولاهما: النص الإلهي وهي المرجعية الثابتة ، وثانيتهما : جهة الراسخين في العلم ، وهي الجهة المتحركة التي تنسق المواقف الحياتية وحركيتها المتكررة مع متطلبات النص الإلهي وثباته الراسخ ولهذا أكملت الآية القول "وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْبَابِ" (ال عمران 7)، ولو تأملت الأمر من وجهة نظر الحديث الشريف لوجدته قد عمد إلى تشخيص نفس ما شخّصته الآية الكريمة، ولكن مع إضفاء قدر من التوضيح على جهة الراسخين في العلم إذ سميت هذه المرة بأهل البيت. وإن قلنا بأن ما يتركه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ليس من الدين وهو أمر لم يقل به من له أدنى نظر فقد خالفنا القرآن في ما أمرنا به "وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ" (الحشر 7).
يقول الشيخ جلال الدين الصغير في كتابه المختصر عنوانا بعصمة المعصوم: قرن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الثقلين معاً وتأكيده على عدم افتراقهما عن بعضهما ذو دلالة خاصة على عصمة الثقلين معاً ، فالقرآن وهو الكتاب الكريم الذي وصف بأنه "لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ" (فصلت 42) حينما يكون معصوماً، فمما لا ريب فيه ان قرينه سيكون معصوماً هو الآخر. ومثل هذا الحديث، الحديث الذي يرويه ابن عباس عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف. وروى ابن حنبل في فضائل الصحابة عن الإمام علي عليه السلام قوله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: النجوم امان لأهل السماء إذا ذهبت النجوم ذهب أهل السماء، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض، فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض.
https://telegram.me/buratha