الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في موسوعة الامام الخوئي للسيد أبوالقاسم الخوئي: قد اعتبر في الشريعة المقدسة أُمور على وجه الموضوعية في تحقّق الإسلام بمعنى أن إنكارها أو الجهل بها يقتضي الحكم بكفر جاهلها أو منكرها وإن لم يستحق بذلك العقاب لاستناد جهله إلى قصوره وكونه من المستضعفين. فمنها: الاعتراف بوجوده جلت عظمته و وحدانيته في قبال الشرك، وتدل على اعتبار ذلك جملة من الآيات والروايات وهي من الكثرة بمكان. و منها: الاعتراف بنبوة النبي ورسالته صلّى اللَّه عليه وآله وسلم و هو أيضاً مدلول جملة وافية من الأخبار والآيات، منها قوله عزّ من قائل "وَ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلىَ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَ اُدْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اَللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * `فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَ لَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا اَلنَّارَ اَلَّتِي وَقُودُهَا اَلنَّاسُ وَ اَلْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ" (البقرة 23-24). و منها: الاعتراف بالمعاد وإن أهمله فقهاؤنا قدس سرهم إلّا أنّا لا نرى لإهمال اعتباره وجهاً، كيف وقد قرن الايمان به بالايمان باللَّه سبحانه في غير واحد من الموارد على ما ببالي كما في قوله عزّ من قائل "إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ اَلْيَوْمِ اَلْآخِر" (النساء 59)، وقوله "إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَ اَلْيَوْمِ اَلْآخِرِ" (البقرة 228) و قوله "مَنْ كََانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ اَلْيَوْمِ اَلْآخِرِ" (البقرة 232) و قوله { مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَ اَلْيَوْمِ اَلْآخِرِ" (البقرة 177) إلى غير ذلك من الآيات، ولا مناص معها من اعتبار الإقرار بالمعاد على وجه الموضوعية في تحقق الإسلام. و هل هناك أمر آخر يعتبر الاعتراف به في تحقق الإسلام على وجه الموضوعية ويكون إنكاره سبباً للكفر بنفسه؟ فيه خلاف بين الأعلام فنسب في مفتاح الكرامة إلى ظاهر الأصحاب أن إنكار الضروري سبب مستقل للكفر بنفسه، وذهب جمع من المحقِّقين إلى أن إنكار الضروري إنما يوجب الكفر والارتداد فيما إذا استلزم تكذيب النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلم و إنكار رسالته، كما إذا علم بثبوت حكم ضروري في الشريعة المقدسة وأن النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلم أتى به جزماً ومع الوصف أنكره ونفاه، لأنه في الحقيقة تكذيب للنبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلم و إنكار لرسالته، وهذا بخلاف ما إذا لم يستلزم إنكاره شيئاً من ذلك كما إذا أنكر ضرورياً معتقداً عدم ثبوته في الشريعة المقدّسة وأنّه مما لم يأت به النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلم إلّا أنه كان ثابتاً فيها واقعاً بل كان من جملة الواضحات فإن إنكاره لا يرجع حينئذ إلى إنكار رسالة النبيّ، فإذا سُئل أحد في أوائل إسلامه عن الربا فأنكر حرمته بزعم أنه كسائر المعاملات الشرعية فلا يكون ذلك موجباً لكفره وارتداده، وإن كانت حرمة الربا من المسلّمات في الشريعة المقدّسة، لعدم رجوع إنكارها إلى تكذيب النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلم أو إنكار رسالته.
جاء في موسوعة الامام الخوئي للسيد أبوالقاسم الخوئي: البلوغ. فلا تجب على غير البالغ في تمام الحول فيما يعتبر فيه الحول ولا على من كان غير بالغ في بعضه، عريّةٌ عن الشاهد، فإنّ إطلاق الحديث يعمّ الوضع والتكليف بمناطٍ واحد. نعم، بما أنّ لسانه الامتنان فهو لا يعمّ الضمانات، لأنّ شموله لها يستلزم خلاف الامتنان على الآخرين، وأمّا غير ذلك فلا قصور في شموله لكلّ ما يوجب الوقوع في الكلفة، من تكليفٍ أو وضع، ولا ريب أنّ الزكاة نقصٌ في المال، وموجبٌ لوقوع صاحبه في الكلفة، فهو مرفوع عن الصبي بمقتضى إطلاق الحديث. هذا، ولو سلّمنا الاختصاص بالتكليف، فالمقتضي لشمول الوضع للصبيّ قاصرٌ في حدّ نفسه، فإنّ الآيات الدالّة على الزكاة كلّها متعرّضة للتكليف فقط، ضرورة أنّ قوله تعالى "وَ آتُوا اَلزَّكَاةَ" (البقرة 43) نظير قوله تعالى "وَ أَقِيمُوا اَلصَّلاَةَ" (البقرة 43) و قوله تعالى "كُتِبَ عَلَيْكُمُ اَلصِّيَامُ" (البقرة 183) لا نظر في شيء منها إلّا إلى الحكم التكليفي فحسب، ولا مساس لها بالوضع بوجهٍ كما هو ظاهر جدّاً، والمفروض أنّ حديث رفع القلم عن الصبي موجبٌ لاختصاص هذه التكاليف بالبالغين.
جاء في موسوعة الامام الخوئي للسيد أبوالقاسم الخوئي: أنّ الأعميّ كالصحيحي في عدم إمكان التمسك بالإطلاق عند الشك في اعتبار جزء أو قيد، وذلك لأنّ أدلة العبادات جميعاً من الكتاب والسنّة مجملة ولم يرد شيء منها في مقام البيان، فإذا كان المتكلم فيها في مقام الإهمال أو الإجمال، فلا يجوز التمسك باطلاقها، غاية الأمر أنّ عدم جواز التمسك على هذا القول من جهة واحدة وهي عدم ورود مطلقات العبادات في مقام البيان، بل إنّها جميعاً في مقام التشريع والجعل بلا نظر لها إلى خصوصيتها من الكمّية والكيفية. وعلى القول بالصحيح من ناحيتين: وهما عدم ورود المطلقات في مقام البيان وعدم تعلق الحكم بالجامع والمقسم، فالنتيجة عدم صحّة التمسك بالإطلاق على كلا القولين. والجواب عنه: مضافاً إلى أ نّه رجم بالغيب، أنّ الأمر ليس كما ذكره القائل، فانّ من الآيات الكريمة ما ورد في الكتاب وهو في مقام البيان، كقوله تعالى: "كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ" (البقرة 183) فالمفهوم من كلمة الصيام عرفاً كف النفس عن الأكل والشرب، وهو معناه اللغوي، فالصيام بهذا المعنى كان ثابتاً في سائر الشرائع والأديان بقرينة قوله تعالى: "وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىَ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ" (البقرة 187) حيث لم يعتبر فيه سوى الكف عن الأكل والشرب عند تبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود. نعم، إنّ ذلك يختلف كيفيةً باختلاف الشرائع، ولكن كل ذلك الاختلاف يرجع إلى الخارج عن ماهية الصيام، بل قد يعتبر فيه كما في شرع الاسلام الكف عن عدّة اُمور اُخر أيضاً كالجماع والارتماس في الماء والكذب على اللَّه تعالى وعلى رسوله صلّى اللَّه عليه وآله وعلى الأئمة الأطهار عليهم السلام وإن لم يكن الكف عنها معتبراً في بقية الشرائع والأديان. وعلى ذلك فلو شككنا في اعتبار شيء في هذه الماهية قيداً، وعدم اعتباره كذلك، فلا مانع من أن نرجع إلى إطلاق قوله تعالى "كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ" (البقرة 183) وبه يثبت عدم اعتباره، فحال الآية المباركة حال قوله تعالى: "وَأَحَلَّ اللَّهُ ا لْبَيْعَ" (البقرة 275)، فكما أ نّه لا مانع من التمسك باطلاقهما في باب المعاملات عند الشك في اعتبار شيء فيها، فكذلك لا مانع من التمسك باطلاق هذه الآية المباركة في باب الصوم عند الشك في دخل شيء في صحّته شرعاً.
https://telegram.me/buratha