الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في موسوعة الامام الخوئي للسيد أبوالقاسم الخوئي: أنّ الطهور الذي هو من الخمسة المعادة منها الصلاة إما أن يكون أعم من الطهارة الحدثية والخبثية، وإما أن يكون مجملاً لا يدرى أنه يختص بالطهارة الحدثية أو يعم الخبثية أيضاً، وعلى كلا الفرضين لا يمكن التمسك به في الحكم بعدم وجوب الإعادة على الجاهل. أما بناء على أنه أعم فلأجل أن صلاة الجاهل فاقدة لطهارة الثوب أو البدن والإخلال بالطهارة الخبثية مما تعاد منه الصلاة. وأما بناء على إجماله فلأجل كفاية الإجمال في الحكم بوجوب الإعادة على الجاهل بالحكم أو بالاشتراط، وذلك لأن إجمال المخصص المتصل كالطهور يسرى إلى العام كقوله لا تعاد ويسقطه عن الحجية في مورد الإجمال، ومعه لا دليل على عدم وجوب الإعادة في مفروض الكلام. ومقتضى إطلاقات مانعيّة النجاسة في الثوب والبدن بطلان صلاة الجاهل القاصر ووجوب الإعادة عليه. و هذا الوجه وإن كان أمتن الوجوه التي قيل أو يمكن أن يقال في المقام إلّا أنه أيضاً مما لا يمكن المساعدة عليه، وذلك لأنّ الطهور حسبما ذكرناه في أوائل الكتاب من أنه بمعنى ما يتطهر به نظير الوقود والفطور والسحور وغيرهما مما هو بمعنى ما يحصل به المبدأ، وقد يستعمل بمعنى آخر أيضاً وإن كان أعم حيث إن ما يحصل به الطهارة وهو الماء والتراب غير مقيد بطهارة دون طهارة وبالحدثية دون الخبثية، إلّا أن في الحديث قرينة تدلنا على أن المراد بالطهور خصوص ما يتطهر به من الحدث فلا تشمل الطهارة الخبثية بوجه. بيان تلك القرينة: أن ذيل الحديث دلّنا على عدم ركنية غير الخمسة في الصلاة، حيث بيّن أن القراءة والتشهّد والتكبير سنّة ثم إنّ الخمسة المذكورة في الحديث هي بعينها الخمسة التي ذكرها اللَّه سبحانه في الكتاب وقد أشار إلى الركوع بقوله عزّ من قائل "وَ أَقِيمُوا اَلصَّلاََةَ وَ آتُوا اَلزَّكَاةَ وَ اِرْكَعُوا مَعَ اَلرَّاكِعِينَ" (البقرة 43).
جاء في كتاب مصباح الفقاهة للسيد ابو القاسم الخوئي قدس سره: جواز تظلم المظلوم: قوله: الثاني: تظلم المظلوم واظهار ما فعل به الظالم وان كان متسترا به. أقول: ذكر الشيعة والسنة من مستثنيات حرمة الغيبة تظلم المظلوم، واظهار ما اصابه من الظالم وان كان متسترا في ظلمه اياه، كما إذا ضربه أو شتمه أو اخذ ماله أو هجم على داره في مكان لا يراهما احد أو لا يراهما من يتظلم إليه، فانه يجوز للمظلوم ان يتظلم بها الى الناس. وقيد الشهيد في كشف الريبة وجمع ممن تأخر عنه جواز الغيبة هنا بكونها عند من يرجو منه ازالة الظلم عنه، اقتصارا في مخالفة الاصل الثابت بالعقل والنقل على المتيقن، إذ لا عموم في الاية ليتمسك به في اثبات الاباحة مطلقا، وما ورد في تفسير الاية من الاخبار لا ينهض للحجية، مع أن المروي عن الباقر عليه السلام في تفسيرها المحكي عن مجمع البيان انه لا يحب الشتم في الانتصار الا من ظلم. وفيه: ان الاية وان لم تشتمل على شئ من الفاظ العموم وادواته الا أن قوله: الا من ظلم مطلق، فبمقتضى مقدمات الحكمة فيه يفيد العموم، وعليه فيجوز للمظلوم اغتياب الظالم، سواء احتمل ارتداعه أملا. ويدل على الحكم المذكور ما في تفسير القمي، من الرخصة للمظلوم في معارضة الظالم، وكذلك يدل عليه ما ورد في تطبيق الاية على ذكر الضيف اساءة المضيف اياه، ولكن جميع ذلك ضعيف السند. ثم ان المراد من اساءة الضيافة هو هتك الضيف وعدم القيام بما يليق بشأنه، وبما تقتضيه وظائف الضيافة والمعاشرة المقررة في الشريعة المقدسة، ويسمى ذلك في لغة الفرس بكلمة: پذيرائي، وليس المراد بها ترك ما يشتهيه الضيف ويتمناه زائدا على المقدار المتعارف. وبعبارة اخرى حق الضيف على المضيف ان يكرمه ويحترمه بالحد الاوسط، فلا تجوز له مطالبته بالحد الاعلى، ولا يجوز للمضيف ان يعامل ضيفه بالحد الادنى، والا لجاز لاي منهما ان يذكر ما فعله الاخر معه من المساءة، لانه نوع من التظلم فيكون مشمولا للاية من دون احتياج الى الرواية، وحينئذ فيكون تطبيق الاية على اساءة الضيافة مؤيدة لما ذكرناه. وقد يستدل على الجواز هنا بامور غير ناهضة للدلالة على المقصود قوله تعالى: "فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ"(البقرة 194)، وقد ذهب الى هذا جمع من الاكابر، حتى صرح الاردبيلي في محكي كلامه بجواز اعتداء المضروب بالضرب والمشتوم بالشتم، كما عرفته اجمالا في البحث عن حرمة السب.
جاء في كتاب التنقيح في شرح المكاسب للمرجع الاعلى السيد ابو القاسم الخوئي قدس سره - الشيخ ميرزا علي الغروي: وبالجملة: أنّ مقتضى القاعدة الاقتصار على الموارد المتيقّنة وعدم ثبوت تلك الأحكام في حقّ غير من ثبت في حقّه أوّلا. ودعوى أنّ مقتضى عمومات "أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ" (البقرة 275) وغيرها من أدلّة التجارة ونحوها صحّة نقل الحكم إلى الغير وثبوت آثاره في حقّ المشتري، مدفوعة بأنّ هذه العمومات لم ترد في مقام تشريع أنحاء السلطنة كالسلطنة على النقل، بل هي ناظرة إلى نفوذ أسباب النقل في موارد ثبوت السلطنة التامّة لكلّ من المتعاقدين على ماله ولو عند العرف والعقلاء ولذا لو فرضنا أحداً آجر نفسه للغناء أو جعل فعله هذا عوضاً في البيع ونفرض أنّا نشكّ في حرمة الغناء وكونه تحت سلطنته وضعاً فإنّ الحرام لا يجوز جعله عوضاً ولا تقع المعاملة عليه.
جاء في كتاب الفقاهة للسيد ابو القاسم الخوئي قدس سره: ذهب المشهور من فقهائنا وفقهاء العامة الى وجوب الشهادة تحملا واداء، كما يظهر لمن يراجع الى كلماتهم في مواردها، وهذا هو الظاهر من الكتاب الكريم "وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا" (البقرة 282) ومن الروايات المذكورة في أبواب الشهادات، وعليه فاخذ الاجرة على الشهادة من صغريات أخذ الاجرة على الواجب، وقد عرفت سابقا ذهاب المشهور الى حرمة أخذها عليه، ولكن قد علمت فيما تقدم ان مقتضى القاعدة هو جواز أخذ الاجرة على الواجبات مطلقا ما لم يثبت منع من الخارج. ومن المعلوم انا لم نجد في ادلة وجوب الشهادة ما يمنع عن ذلك، بل الظاهر من بعض الروايات الواردة في قوله تعالى: "وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا" (البقرة 282)، ان المنفي في الاية هو أن يقول المدعو الى الشهادة: لا اشهد على الواقعة، وواضح ان هذا لا ينافي جواز أخذ الاجرة على الشهادة، نعم لو امتنع المشهود له عن اعطاء الاجرة وجب على الشاهد أن يشهد بالواقعة مجانا. هذا كله إذا كان تحمل الشهادة أو ادائها واجبا عينيا، وأما إذا كان كل منهما واجبا كفائيا فقد تقدم ان أخذ الاجرة على الواجب الكفائي مع عدم الانحصار خارج عن محل الكلام، فانه واجب على جميع المكلفين لا على شخص واحد معين. ثم انه لا يستفاد من ادلة وجوب الشهادة الا كونها واجبة على نهج بقية الاحكام التكليفية الكفائية أو العينية، من غير أن يستفاد منها كون التحمل أو الاداء حقا للمشهود له. ثم انه قد يقال بحرمة أخذ الاجرة على مطلق التعليم أو على تعليم القرآن، ولكنه فاسد، فقد ثبت جواز ذلك في جملة من الاخبار، وفي بعضها وقع الازراء على القائلين بالحرمة ورميهم الى الكذب وعداوة الحق.
https://telegram.me/buratha