الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في موسوعة الامام الخوئي للسيد أبوالقاسم الخوئي: الذبح أو النحر في منى و هو الخامس من واجبات حج التمتّع. بالضرورة وبالكتاب "فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى اَلْحَجِّ فَمَا اِسْتَيْسَرَ مِنَ اَلْهَدْيِ" (البقرة 196) و بالنصوص المستفيضة، منها قول أبي جعفرعليه السلام في صحيح زرارة في المتمتع، قال: وعليه الهدي، قلت: وما الهدي؟ فقال: أفضله بدنة، وأوسطه بقرة وآخره شاة و أخفظه شاة. و قد وقع الكلام في وجوب الهدي لأهل مكة إذا تمتعوا لمشروعية حج التمتّع لهم أيضاً، فالمشهور شهرة عظيمة بل لم ينقل الخلاف من أحد في وجوب الهدي على المكي إذا تمتع. و لكن المحكي عن الشيخ في المبسوط عدم وجوب الهدي عليه فكأنه خص وجوب الهدي على البعيد إذا تمتع، بناء على رجوع اسم الإشارة في قوله تعالى "ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي اَلْمَسْجِدِ اَلْحَرَامِ" (البقرة 196) إلى الهدي لا إلى التمتّع المذكور في الآية قبل ذلك، يعني إن الهدي الذي تقدم ذكره وظيفة لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام، فإن الإشارة ترجع إلى القريب، ولذا ادعوا أن الإشارة إذا تعقبت الشرط والجزاء ترجع إلى الجزاء خاصة لا إلى الشرط والجزاء معاً، نظير قولنا: من دخل داري فله درهم، ذلك لمن لم يكن عاصياً، فان الإشارة ترجع إلى الجزاء دون الشرط كما مثّل بذلك في الجواهر.
جاء في كتاب مصباح الفقاهة للسيد ابو القاسم الخوئي قدس سره: أن التمسك بالاطلاق المقامي إنما يجوز فيما إذا لم يكن للمطلق أفراد متيقنة، وإلا فينصرف إليها الاطلاق من دون أن تلزم اللغوية من الاهمال. ومن البين أن مقامنا من هذا القبيل، لانا كشفنا من مذاق الشارع كشفا قطعيا - ولو من غير ناحية الاطلاقات الواردة في إمضاء العقود أن بعض ما هو سبب للبيع عرفا مؤثر في الملكية جزما، وإذن فلا يبقى مجال للتمسك بالاطلاق المقامي صيانة لكلام الشارع عن اللغوية. أن تحمل المطلقات الواردة في مقام إمضاء البيع على المعنى المصدري الذي يراد من لفظ بعت، وحينئذ فيستدل بحكم الشارع على نفوذ العقود مطلقا على أن ما هو بيع بالمعنى المصدري عند العرف مؤثر عند الشارع أيضا. ويتوجه عليه أن هذا النحو من التمسك بالاطلاق وإن كان صحيحا. ولكنه عبارة أخرى عن القول بوضع الفاظ المعاملات للاعم، بداهة أن ما يصدق عليه لفظ البيع بالمعنى المصدري أعم من الصحيح والفاسد، وعليه فلا محذور لنا في التمسك باطلاقات المعاملات في الموارد المشكوكة. والتحقيق: أن لفظ البيع ليس اسما للسبب، ولا أنه اسم للمسبب، بل إنما هو اسم للاعتبار المبرز بمبرز خارجي فعلي أو قولي وإذن فلا مانع عن التمسك بالاطلاقات والعمومات الدالة على صحة البيع ولزومه. وعلى هذا فلا مناص لنا عن الالتزام بوضع ألفاظ المعاملات للاعم من الصحيح والفاسد. ولا يخفى عليك أن ما ذكرناه جار في سائر العقود، بل الايقاعات أيضا. ومع الاغضاء عما ذكرناه. والقول بوضع ألفاظ المعاملات لخصوص الصحيح أمكن لنا إثبات الصحة واللزوم في الموارد المشكوكة بقوله تعالى: "وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ" (البقرة 275) ضرورة أن البيع وإن كان حقيقة في الصحيح الشرعي. ولكن المراد من البيع الذي تعلق به الحل في الآية الكريمة إنما هو البيع الانشائي، إذ الظاهر من إحلال البيع إنما هو إمضاؤه المولوي كما هو الظهور الابتدائي أيضا من أدلة سائر الاحكام ومن الواضح أنه لو كان المراد من البيع هو البيع الشرعي لكان ذلك الامضاء لغوا محضا، وتحصيلا للحاصل، لانه لا معنى للقول بأن معنى الآية أحل الله البيع الممضى. الا أن يلتزم بكون الآية ارشادا إلى البيع الصصحيح ولكن ذلك مخالف لظاهرها. بل لا معنى لحملها على الارشاد، إذ المفروض أن انكشاف صحة البيع ونفوذه عند الشارع انما هو بهذه الآية. ومن البين أن حملها على الارشاد يقتضى أن يكون امضاؤه بغيرها وهو خلف ظاهر. وقد اتضح لك مما ذكرناه جواز التمسك باطلاق قوله عليه السلام: والمسلمون عند شروطهم على صحة البيع في الموارد المشكوكة مع القول بوضع ألفاظ العقود للصحيح بدعوى أن مقتضى الاسلام انما هو وفاء المسلم بشرطه. ومن البديهي أن الحديث بهذا المعنى امضاء تشريعي للشروط المتعارفة. وحكم مولوي بلزوم العمل بها وانهائها واتمامها. والمعاطاة وحقيقتها قوله: اعلم أن المعاطاة على ما فسره جماعة: أن يعطى كل من اثنين عوضا.
جاء في كتاب الفقاهة للسيد ابو القاسم الخوئي قدس سره: عن علي بن الحسين المرتضى في رسالة المحكم والمتشابه نقلا عن تفسير النعماني عن علي عليه السلام انه قال: فأما ما جاء في القرآن من ذكر معائش الخلق وأسبابها فقد أعلمنا سبحانه ذلك من خمسة أوجه وجه الاشارة الامارة، ووجه العمارة، ووجه الاجارة، ووجه التجارة، ووجه الصدقات. وأما وجه التجارة فقوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ" الاية (البقرة 282)، فعرفهم سبحانه كيف يشترون المتاع في السفر والحضر وكيف يتجرون إذ كان ذلك من اسباب المعايش.
جاء في كتاب مصباح الفقاهة للسيد ابو القاسم الخوئي قدس سره: ان كون بيع العصير ممن يجعله خلا احب الى الامام الصادق (عليه السلام) لا يدل على كراهة بيعه ممن يجعله خمرا، خصوصا مع تصريحه عليه السلام فيها بالجواز بقوله: ولا أرى بالاول بأسا، نعم لو كان لفظ الرواية: اني لااحب بيعه ممن يجعله خمرا، لكان دالا على كراهة البيع. ثم انه لم نجد رواية تدل على الكراهة غير رواية الحلبي التي نسبها المصنف الى رفاعة، وقد عرفت عدم دلالتها على ذلك، واذن فلا وجه لقول المصنف: لشهادة غير واحد من الاخبار على الكراهة. قال السيد في حاشيته ما ملخصه: انه يمكن الجمع بحمل الاخبار المجوزة على صورة العلم، بأن ذلك عمل المشتري وان لم يعلم بصرف هذا المبيع الخاص في المحرم، وحمل الاخبار المانعة على صورة العلم بصرفه في الحرام، ويمكن الجمع ايضا بحمل المانعة على العلم بقصد المشتري صرفه في الحرام، وحمل المجوزة على العلم بالتخمير مع عدم العلم بأن قصده ذلك. ويرد على الوجهين انهما من الجموع التبرعية فلا شاهد لهما. وفي المتن: وقد يجمع بينها وبين الاخبار المجوزة بحمل المانعة على صورة اشتراط جعل الخشب صليبا أو صنما أو تواطئهما عليه. وفيه مضافا الى اطلاق الروايات المانعة وعدم تقيدها بصورة الاشتراط واطلاق الروايات المجوزة وعدم تقيدها بصورة عدم الاشتراط، انه يرد عليه أولا ما في المتن من أنه لا داعي للمسلم الى هذا النحو من البيع ثم سؤاله عن حكمه. وثانيا: ان ذكر جواز بيع الخشب ممن يجعله برابط وعدم جواز بيعه ممن يجعله صلبانا في روايتي ابن اذينة والمقنع لا يلائم هذا الجمع، ضرورة ان حمل رواية واحدة على جهتين متنافيتين من غير تقييد شبيه بالجمع بينهما. فان السؤال ان كان عن جواز البيع مع اشتراط الصرف في جهة الحرام فلا يلائمه الجواب بجواز البيع فيما جعله برابط، وان كان السؤال عن الجواز مع عدم الاشتراط فلا يلائمه الجواب بعدم الجواز فيما جعله اصناما أو صلبانا. والذي ينبغي أن يقال: انه إذا تم عدم الفصل بين موارد الروايات المجوزة والمانعة، كان من قبيل تعارض الدليلين، فيؤخذ بالطائفة المجوزة لموافقتها لعمومات الكتاب، كقوله تعالى: اوفوا بالعقود "الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" (البقرة 275)، وان لم يثبت عدم الفصل بين مواردها كما احتمله المصنف وجب أن يقتصر بكل طائفة على موردها، ولا تصل النوبة الى التعارض بينهما والعمل بقواعده. وهذا هو الظاهر من الروايات، وتشهد له ايضا رواية ابن اذينة المفصلة بين الاصنام والبرابط، ويقربه ان شرب الخمر وصنعها أو صنع البرابط وضربها، وان كانت من المعاصي الكبيرة والجرائم الموبقة، الا انها ليست كالشرك بالله العظيم، لان الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك.
https://telegram.me/buratha