الدكتور فاضل حسن شريف
قال الله تبارك وتعالى عن أواب و مآب "اصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ" ﴿ص 17﴾ إِنَّهُ أَوَّابٌ: رجّاع، صبر أيها الرسول على ما يقولونه مما تكره، واذكر عبدنا داود صاحب القوة على أعداء الله والصبر على طاعته، إنه توَّاب كثير الرجوع إلى ما يرضي الله، و "وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً ۖ كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ" ﴿ص 19﴾ كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ: مطيع يسبح تبعا له، له أوَّاب: رجّاع إلى طاعته بالتسبيح، إنا سخَّرنا الجبال مع داود يسبِّحن بتسبيحه أول النهار وآخره، وسخرنا الطير معه مجموعة تسبِّح، وتطيع تبعًا له، و "وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ ۚ نِعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ" ﴿ص 30﴾ إنه أوَّاب: رجّاع في التسبيح والذكر في جميع الأوقات، الأواب: المسبح بلسان الحبشة، وفي قولهم رجل أوّاب سبعة أقوال: الراحم، المسبح، التائب، الذي يذنب ثم يتوب ثم يذنب ثم يتوب، المطيع، الذي يذكر ذنبه في الخلاء فيستغفر الله منه، الرجوع الذي يرجع إلى التوبة والطاعة، التّواب، وقيل هو كثير الرجوع إلى ربه ويمتثل أوامره و يجتنب نواهيه، ووهبنا لداود ابنه سليمان، فأنعمنا به عليه، وأقررنا به عينه، نِعْم العبد سليمان، إنه كان كثير الرجوع إلى الله والإنابة إليه، و "وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ ۗ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا ۚ نِّعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ" ﴿ص 44﴾ إنه أوَّاب: رجّاع إلى الله تعالى، وقلنا له: خذ بيدك حُزمة شماريخ، فاضرب بها زوجك إبرارًا بيمينك، فلا تحنث؛ إذ أقسم ليضربنَّها مائة جلدة إذا شفاه الله، لـمَّا غضب عليها من أمر يسير أثناء مرضه، وكانت امرأة صالحة، فرحمها الله ورحمه بهذه الفتوى. إنا وجدنا أيوب صابرًا على البلاء، نِعم العبد هو، إنه رجَّاع إلى طاعة الله، و "هَـٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ" ﴿ق 32﴾ أواب صفة، أوّاب: رجّاع إلى الله بالتوبة، لكل أوَّاب: رجّاع إلى طاعة الله، يقال لهم: هذا الذي كنتم توعدون به أيها المتقون لكل تائب مِن ذنوبه، حافظ لكل ما قَرَّبه إلى ربه، من الفرائض والطاعات، مَن خاف الله في الدنيا ولقيه يوم القيامة بقلب تائب من ذنوبه، و "رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ ۚ إِن تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا" ﴿الإسراء 25﴾ لِلأَوَّابِينَ: التوابين الرجاعين إلى طاعة الله بعد المعصية، ربكم أيها الناس أعلم بما في ضمائركم من خير وشر، إن تكن إرادتكم ومقاصدكم مرضاة الله وما يقربكم إليه، فإنه كان سبحانه للراجعين إليه في جميع الأوقات غفورًا، فمَن عَلِمَ الله أنه ليس في قلبه إلا الإنابة إليه ومحبته، فإنه يعفو عنه، ويغفر له ما يعرض من صغائر الذنوب، مما هو من مقتضى الطبائع البشرية، و "زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ۗ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ" ﴿آل عمران 14﴾ المآب: ال أداة تعريف، مآب اسم، حسن المآب: المرجع: أي المرجع الحسن، والله عنده حسن المآب: المرجع وهو الجنة فينبغي الرغبة فيه دون غيره، حُسِّن للناس حبُّ الشهوات من النساء والبنين، والأموال الكثيرة من الذهب والفضة، والخيل الحسان، والأنعام من الإبل والبقر والغنم، والأرض المتَّخَذة للغراس والزراعة، ذلك زهرة الحياة الدنيا وزينتها الفانية. والله عنده حسن المرجع والثواب، وهو الجنَّة، و "الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَىٰ لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ" ﴿الرعد 29﴾ حُسن مآب: حسن مرجع و منقلب، المآب: من مصادر آب يؤوب، إذا رجع. والمآب: المرجع والمنقلب، الذين صدَّقوا بالله ورسوله، وعملوا الأعمال الصالحات لهم فرح وقرة عين، وحال طيبة، ومرجع حسن إلى جنة الله ورضوانه.
وردت اوب ومشتقاتها في القرآن الكريم: الْمَآبِ، مَآبٍ، لِلْأَوَّابِينَ، أَوِّبِي، أَوَّابٌ، مَآبًا، إِيَابَهُمْ. الأوب: ضرب من الرجوع، وذلك أن الأوب لا يقال إلا في الحيوان الذي له إرادة، والرجوع يقال فيه وفي غيره، يقال: آب أوبا وإيابا ومآبا. وَالْآوَّابُ: الرَّجَّاعُ إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَابْنُ زَيْدٍ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: الْمُسَبِّحُ. وَوَصْفُهُ بِأَنَّهُ أَوَّابٌ. ورد أن الأواب يعني الذي يرجع الى الله في جميع الأوقات "فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا" (الاسراء 25). فالإنسان حر في عمله والحصاد هو نتيجة العمل "فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا" (النبأ 39) مآبا اي مرجعا.
جاء في لأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر ناصر مكارم الشيرازي: في قوله تعالى "وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ" (ص 49) مآب تعني المرجع، وإضافة حسن إلى مآب من قبيل إضافة الصفة إلى الموصوف. فالمتقون لهم حسن مآب، ولهؤلاء العاصين الطغاة شر مآب. أن عبارة حسن مآب التي تبشره بحسن العاقبة والمنزلة الرفيعة عند الله. قوله تعالى "وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ" (ص 55) أسلوب المقارنة الذي كثيرا ما استخدمه القرآن الكريم، لتوضيح المصير المشؤوم والعقوبات المختلفة التي ستنال الطغاة والعاصين. المآب: هو محل الرجوع، ويأتي أحيانا بمعنى المنزل والمقر. إطلاق صفة أواب على الأنبياء الكبار ثلاثة أنبياء كبار أطلقت عليهم صفة أواب في هذه السورة، وهم: داود وسليمان وأيوب، وفي سورة ق "هَـٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ" ﴿ق 32﴾ اطلق هذا الوصف على كل أهل الجنة، قوله تعالى: هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ. هذه العبارات تبين أن مقامه في المقام الأعلى، وعندما نرجع إلى مصادر اللغة نشاهد أن كلمة أواب مشتقة من كلمة أوب وتعني الرجوع والعودة. وهذا الرجوع والعودة خاصة وأن كلمة أواب هي اسم مبالغة تعني كثرة الرجوع وتكراره يشير إلى أن الأوابين حساسون جدا تجاه الأسباب والعوامل التي تبعدهم عن الله، كالرزق وبريق الزخارف الدنيوية في أعينهم، ووساوس النفس والشيطان، وإن ابتعدوا لحظة واحدة عن الله عادوا إليه بسرعة، وإن غفلوا عنه لحظة تذكروه وسعوا في جبرانها. هذه العودة يمكن أن تكون بمعنى العودة إلى طاعة أوامر الله واجتناب نواهيه، أي أن أوامره هي مرجعهم وسندهم أينما كانوا. وكلمة أواب التي جاءت في الآية العاشرة من سورة سبأ "يَاجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ" (سبأ 10) كلمة أوبي في الأصل من التأويب بمعنى الترجيع وإعادة الصوت في الحلق. وهذا الأصل يستعمل أيضا بمعنى التوبة لأن حقيقتها الرجوع إلى الله. والطير والخاصة بداود أيضا تعطي معنا آخر، وهو ترديد الصوت، إذ أن الأوامر صدرت إلى الجبال والطيور أن رددي الصوت مع داود، ولهذا فإن أواب تعني كل من يردد الأوامر الإلهية والتسبيح والحمد الذي تردده كل موجودات الكون حسب قوانين الخلقة، ومما يذكر أن أحد معاني كلمة أيوب هي أواب. أواب مشتقة من أوب على وزن قول وتعني العودة الاختيارية إلى أمر ما، ولكون أواب على صيغة المبالغة، فإنها تشير إلى أنه كان كثيرا ما يعود إلى الله سبحانه وتعالى، وكان يتوب عن أصغر غفلة وترك للأولى. استمرار الجبال والطيور في التسبيح مع داود، وكل مرة يسبح فيها تعود وتسبح معه، قال تعالى: "كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ" (ص 19). وكلمة الأواب: من مادة أوب على زنة ذوب ومعناها العودة، ولعلها تعني التوبة عن الذنوب الكبيرة والصغيرة. وقد تكون صيغة المبالغة في أواب هي إشارة إلى تعدد عوامل العودة والرجوع إلى الله.
https://telegram.me/buratha