الدكتور فاضل حسن شريف
قال الله جل جلاله "يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ" (البقرة 275) يتخبطه: يتخبط فعل، الهاء ضمير، يتخبطه: يصرعه و يضربه أرضاً، يتخبطه الشيطان: يصرعه و يضرب به الأرض، كما يقوم الذي يتخبطه: يصرعه، الذين يتعاملون بالربا وهو الزيادة على رأس المال لا يقومون في الآخرة من قبورهم إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من الجنون.
جاء في تفسير غريب القرآن لفخر الدين الطريحي النجفي: خبط "يتخبطه الشيطان" (البقرة 275) إذا أصابه وافسده.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى "الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِ" (البقرة 275). فالآية تشبّه المرابي بالمصروع أو المجنون الذي لا يستطيع الاحتفاظ بتوازنه عند السير، فيتخبّط في خطواته. و لعلّ المقصود هو وصف طريقة سير المرابين الاجتماعي في الدنيا على اعتبار أنّهم أشبه بالمجانين في أعمالهم، فهم يفتقرون إلى التفكير الاجتماعي السليم، بل أنّهم لا يشخّصون حتّى منافعهم الخاصّة، و أنّ مشاعر المواساة و العواطف الإنسانية و أمثالها لا مفهوم لها في عقولهم إذ أنّ عبادة المال تسيطر على عقولهم إلى درجة أنّها تعميهم عن إدراك ما ستؤدّي إليه أعمالهم الجشعة الاستغلالية من غرس روح الحقد في قلوب الطبقات المحرومة الكادحة و ما سيعقب ذلك من ثورات و انفجارات اجتماعية تعرض أساس الملكية للخطر، و في مثل هذا المجتمع سينعدم الأمن و الاستقرار، و ستصادر الراحة من جميع الناس بمن فيهم هذا المرابي، و لذلك فإنّه يجني على نفسه أيضا بعمله الجنوني هذا. يتخبّطه من مادة الخبط هو فقدان توازن الجسم عند المشي أو القيام. في رواية أخرى عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم بشأن تجسيد حال المرابين الذين لا يهمّهم غير مصالحهم الخاصّة، و ما ستجرّه عليهم أموالهم المحرّمة قال: (لمّا أسري بي إلى السماء رأيت قوما يريد أحدهم أن يقوم فلا يقدر أن يقوم من عظم بطنه، فقلت: من هؤلاء يا جبرائيل قال: هؤلاء الذين يأكلون الربا لا يقومون إلّا كما يقوم الذي يتخبّطه الشيطان من المس). انّ الإنسان حسي بالطبع قبل ان يكون عقليا و يتخبط في المسائل المادية قبل ان يتعمق في المسائل الفكرية. و أداء الأمانة من أهمّ القواعد في النظام الاجتماعي، و دون ذلك يسود التخبّط في المجتمع. المشروع الإسلامى الجبار اقترن بالعفو العام، لينقل قبائل الجزيرة العربية من ماضيهم المظلم إلى نور الإسلام بعيدا عن كل ألوان الصراع و التخبط الجاهلي. لقد تعهّد اللّه أن لا يترك من توكّل عليه يتخبّط في حيرته، و إنّه لقادر على الوفاء بهذا التعهّد. المنافقون يظلون منفورين مطرودين حائرين، مثل إنسان يتخبّط في ظلام دامس.
قال الله سبحانه وتعالى عن قطنا "وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ" ﴿ص 16﴾ قِطنا: كتابنا و صحيفتنا بالجوائز، و قيل: هو الصكّ. وقيل: عذابنا، أو نصيبنا من العذاب، أو جزائنا، عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا: عجل لنا نصيبنا من العذاب، ربنا عجل لنا قطنا: أي كتاب أعمالنا، وقالوا: ربنا عجِّل لنا نصيبنا من العذاب في الدينا قبل يوم القيامة، وكان هذا استهزاءً منهم.
جاء في تفسير غريب القرآن لفخر الدين الطريحي النجفي: "قِطَّنا" (ص 16) القط: واحد القطوط، وهي الكتب بالجوائز من القط، وهو القطع، وعن أبي عبيدة: القط: الحساب، قال تعالى: "عَجِّلْ لَنا قِطَّنا" (ص 16) قيل: يوم الحساب.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قال الكافرون باستهزاء و سخريّة: ربّنا عجّل علينا العذاب قبل حلول يوم الحساب "وَ قالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ" (ص 16). فهؤلاء المغرورون بلغ بهم الغرور حتّى إلى الاستهزاء بعذاب اللّه و محكمته العادلة، و إلى القول: لم تأخّرت حصّتنا من العذاب؟ لماذا لا يوفّينا اللّه بسرعة حظّنا من العذاب؟ قط على وزن جنّ تعني قطع الشيء عرضا، فيما تعني كلمة قد و هي على نفس الوزن السابق، قطع الشيء طولا و كلمة قط هنا تعني نصيبا أو سهما. و أحيانا تعني الورقة التي يرسم عليها، أو تكتب عليها أسماء أشخاص فازوا بالجوائز. لهذا فإنّ بعض المفسّرين، قالوا في تفسير الآية المذكورة أعلاه: إنّ المقصود منها هو أنّ اللّه سبحانه و تعالى يسلّم عباده صحائف أعمالهم قبل حلول يوم الجزاء، و هذا الكلام قيل بعد نزول آيات قرآنية تؤكّد على أنّ هناك مجموعة تعطي صحائفها باليد اليمنى، و مجموعة اخرى تستسلم صحائفها باليد اليسرى.
https://telegram.me/buratha