الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في الحديث الشريف (ليس الأعمى من يعمى بصره ولكن الأعمى من تعمى بصيرته). وكان الكاظم عليه السلام فقيه يشار له في العلوم الدينية وهو القائل (تفقّهوا في دين الله، فإنّ الفقه مفتاح البصيرة). ومن الشبهات التي لها علاقة بالبصيرة: هل يصح ان النبي محمد شكّ وتردد بالوحي الالهي؟ حيث قالت الرواية المشكوك في صحتها (وخشيت على نفسي) وانه اراد ان يتحقق ويتعلم من راهب نصراني ويتناقض مع البينة من ربه وهو على بصيرة قلبية لا شائبة بها "قُلْ إِنِّي عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي" (الانعام 57) و"أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي" (يوسف 108) فهل بينة وبصيرة ورقة بن نوفل اقوى من بينة و بصيرة افضل الانبياء.
أن المؤمنين معرضون للبلاء، فينبغي للمؤمن إذا حلّ به البلاء أن يزداد بصيرة في دينه وثباتاً في يقينه. قال الإمام الصادق عليه السلام (كان عمي العباس نافذ البصيرة) اي مطابقة اقواله افعاله التي توافق ما جاء في القرآن الكريم وسنة الرسول، ويقدم اخرته على دنياه كما قال الله تعالى "قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ" (يوسف 108)، وكما جاء في زيارة العباس عليه السلام عن الامام الصادق عليه السلام (وانك مضيت على بصيرة من امرك مقتديا بالصالحين، متبعا للنبيين). قال امير المؤمنين عليه السلام عن علاقة العين بالبصر والعقل بالبصيرة (الرُّؤْيَةُ كَالْمُعَايَنَةِ مَعَ الْإِبْصَار، فقد تكذب العيون أهلها، ولا يغش العقل من استنصحه) ولكون الفقه له علاقة بالبصيرة كما قال الامام الرضا عليه السلام ان التفقه مفتاح البصيرة، فكان العباس فقيها يؤخذ منه العلم مسلما تسليما مطلقا لله سبحانه حيث قال الله عز وجل "ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا" (النساء 65)، وجاء في الزيارة (اشهد لك بالتسليم والنصيحة والوفاء) فهو عليه السلام مصدر النصائح والوفاء. وهو المدافع عن دينه بلسانه ويده القائل (والله لو قطعت يميني اني ادافع ابدا عن ديني). وورد إنّ العبّاس بن علي عليه السّلام زق العلم زقاً. واشتهر أيضاً إنّه كان من فقهاء أولاد الأئمّة عليهم السلام. واهلاك الطغاة هي عبرة وبصيرة للاخرين "قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ" (الانعام 104). والطاغية عندما يحيطه الموت يطلب النجاة من الله ولكن هيهات "قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ" (يونس 90).
جاء في كتاب مرشد المغترب للسيد محمد سعيد الحكيم عن العلاقة بين الابتلاء والبصيرة: وعلينا أن نلفت أنظاركم لأمور تخصّ دينكم ودنياكم، تعينكم في أمركم بإذن الله تعالى.. إياكم والجزع والهلع، والشعور بالوهن والفشل والخيبة والإحباط، لكثرة المشاكل المحيطة بكم. فإن الله تعالى قد منّ عليكم بأعظم النعم وأجلّه، وهو دين الإسلام العظيم، وطريق أهل البيت عليهم السلام القويم، الذي ارتضاه لخلقه، ولم يرض لهم غيره، فقال جلت آلاؤه وعظمت نعماؤه: "وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ" (ال عمران 85). سبق أن المؤمنين معرضون للبلاء، فينبغي للمؤمن إذا حلّ به البلاء أن يزداد بصيرة في دينه وثباتاً في يقينه كما قال عز من قائل: "وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً * مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً" (الاحزاب 22-23).
وعن الشيخ عبد الحافظ البغدادي: الحكمة أن يكون عنده بصيرة، لان البصيرة تعني الوصول الى الحقيقة البصيرة تصل بك إلى أعلى درجات العلم. البصيرة ان تكون نسبة العلوم في القلب كنسبة المرئي إلى البصر، وهذه يختصَّ بها من امتحن الله قلبهم بالأيمان. شرح حالة البصيرة: كثير من الناس يحضرون مجالس ومحاضرات دينية ولكنهم لا تتغير ثقافتهم ولا يظهر عليهم أي فهم للدين، هؤلاء ليس لهم بصيرة .يقول تعالى: "هَـذا بَصَـائِـرُ لِلـنَاسِ" (الجاثية 20) قد يرى شخص تصرفات اخلاقية ولكنه لا يعرف نتائجها، وهَذِهِ البَصَائرُ بالعين تَحْتاجُ لِلبَصيرَةِ وهي ان يكون تطابق القلب والعقل بالنتائج . لذا يجب ان تكون قراءة القرآن بالبصر والبصـيرة. يقول تعالى "وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا أولئك كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ" (الاعراف 179). وهناك آياتُ تبين فضل أصْحَابَ العـُقولِ والبَصَائِرِ: "نُفَـصِّـلُ الآيَاتِ لِـقَـوْمٍ يَعْـقِـلُـونَ" (الروم 28)، و "إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ" (ال عمران 190). إن للأهواء دور تمنع قرارات القلب أحيانا ، فتكون القرارات المهمة التي تهم الإنسان في حياته ويعد مماته، تأتي من العاطفة والشهوات، حيث يموت القلب والعقل ، حتى لو كان الإنسان يصلي ويصوم ويخرج الحقوق الشرعية. ولكن قراراته بدون بصيره. فما هي البصيرة؟ معنى البصيرة: عقيدة القلب عقيدة الإنسان، دينه وفكره، كل المنظومة الفكرية الإسلامية، يقابلها كل المنظومة الشيطانية "شياطين الأنس والجن" (الانعام 112) هنا قوة القرار، هنا النجاح أو الفشل، الموت والمصير إلى جهنم، أو النعيم الدائم وجنة عرضها السماوات والأرض، كلها تأتي من البصيرة. فالبصيرة تعني التمييز بين الحق والباطل . وذو بصيرة أي وعلم وخبرة. بصرت بالشيء: أي علمته فأنا بصير ,وأبصرته برؤية العين. التبصر: التأمل والتعرف. ونقول فلان مستبصر أي ظهرت له الحقيقة.
وكلما زاد عدد الذي يتبعون السبيل الذي يدعو الى الله على بصيرة "قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ" (يوسف 108) كلما كان ذلك سدا منيعا امام شياطين الانس والجن "وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا" (الانعام 112). والدعوة تحتاج إلى البصيرة، قال ابن كثير: قول الله تعالى لعبده وَرَسُولِهِ إِلَى الثَّقَلَيْنِ: الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، آمِرًا لَهُ أَنْ يُخْبِرَ النَّاسَ: أَنَّ هَذِهِ سَبِيلُهُ؛ أَيْ: طَرِيقُهُ وَمَسْلَكُهُ وَسُنَّتُهُ، وَهِيَ الدَّعْوَةُ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، يَدْعُو إِلَى اللَّهِ بِهَا عَلَى بَصِيرة مِنْ ذَلِكَ، وَيَقِينٍ وَبُرْهَانٍ، هُوَ وَكُلُّ مَنِ اتَّبَعَهُ، يَدْعُو إِلَى مَا دَعَا إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على بَصِيرَةٍ وَيَقِينٍ وَبُرْهَانٍ شَرْعِيٍّ وَعَقْلِيٍّ.
والبصيرة لها علاقة بالتفقه في الدين كما قال الإمام الكاظم عليه السلام: (تفقّهوا في دين الله فإنّ الفقه مفتاح البصيرة) فالفقه مفتاح البصيرة ولكن ليس كل البصيرة بل يحتاج الفقيه لتكتمل بصيرته الى صلابة في الايمان كما قال الإمام الصادق عليه السلام: (كان عمّنا العباس بن علي عليه السلام نافذ البصيرة صلب الإيمان) وكما جاء في زيارته عليه السلام (وأشهد أنّك مضيت على بصيرة من أمرك) فصلابة ايمان الفيه تجعل ليس بيده فقط مفتاح البصيره وانما يستمر ويمضي على هذه البصيرة فاما النصر او الشهادة. والعباس تعلم من أخيه الحسين عليهما السلام القائل (واجعل على البصيرة مدرجتي وعلى الهداية محجّتي) فبعد مفتاح البصيرة على المؤمن ان يستمر في صعود سلم البصيرة للوصول الى الهدف او المحجة وهي الهداية.
https://telegram.me/buratha