الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في كتاب عصمة المعصوم عليه السلام وفق المعطيات القرآنية لمؤلفه الشيخ جلال الدين الصغير عن الكتاب وسنتي: لا خلاف في ان موضوع السنة من حيث المبدأ واجب الاتباع والتجليل لعقيدتنا الراسخة بأن ما قاله الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فهو قول الله سبحانه وتعالى، وما فعله وما أمضاه هو عين التبليغ الإلهي باعتبار قوله تعالى "وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى" (النجم 3-4)، ولكن هذا هو عنوان الكبرى من المسألة، ومايهمنا هو وجوب تثبيت العنوان الصغروي من الموضوع ، وهو أي سنة هذه التي يجب اتباعها؟ فمن المعلوم أن المسلمين لم يختلفوا بشيء بقدر اختلافهم في تحديد المراد بهذه السنة وتحديد الطرق التي تؤمن لهم الوصول إلى هذه السنة ، وهم إن اختلفوا إلى فرق وجماعات فلأسباب من أهمها اختلافهم في السنة، وقد انجر خلافهم هذا إلى حيرتهم في طبيعة المقصود بالسنة ومنابعها، وضاعف نسبة الحيرة هذه أن عدد المرويات الرسولية لا تفي بأن تكون بحجم دين أخرج لكافة الناس في كل الأمكنة ولكل الأزمنة. إن السنة الحقيقية في محتواها الحقيقي هي صورة شارحة للكتاب، أو قل هي نموذج تطبيقي للكتاب، وبالنتيجة فالتفريق بينها وبين الكتاب لا ينطوي على ضابطة موضوعية للتفريق، بينما نحن بحاجة إلى ضابط جديد نوعي في هويته التكوينية، وهو في مؤاده يفترض أن يؤدي نفس مؤدى الضابط القرآني الجديد الذي رأينا الوحي يحدده بعد تحديده للمنذر : "إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ" (الرعد 7)، فالحاجة إلى جهة هدايةبعد وجود المنذر إنما هي تشخيص رباني، وهذا التشخيص ليس من الاعتباط بمكان بحيث يمكن لأمة هذا المنذر أن تتخلى عنه، ولو كانت السنة في الحدود التي يفقهها أصحاب الخبر هي المطلوبة بعد الكتاب ، كان من الأولى بالقرآن أن لا يقرن مع المنذر جهة أخرى.
وعن أصحابي كالنجوم وعدالتهم يقول الشيخ جلال الدين الصغير: إن الحديث القرآني عن أصحاب الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم تضمن قسمين ، قسم عبّر عنهم بصفات تعاملهم الحسنة معه (صلوات الله عليه وآله) فجاء حديثه يتضمن المدح والثناء النسبي لا المطلق ، لأن المدح والثناء المطلق مختص بأهل العصمة، كما في قوله تعالى: "وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ" (محمد 2) ومن هنا نعلم كذب الحديث الذي يضعونه على لسان الأمير عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أصحاب بدر قوله لعمر بعد أن عرض على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أن يضرب عنق حاطب بن أبي بلتعة: وما يدريك لعل الله أن يكون قد اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم لأنه إما أن يجعلهم من أهل العصمة وهو باطل قطعاً، وإما أن يوقف قلم الحساب عنهم، وهو مخالف لعدالة الله سبحانه وتعالى. وقسم وقع التنديد بهم لطبيعة أعمالهم كما في الآيات التي نزلت في سورة التوبة علىسبيل المثال، وقد استعرضت طائفة كبيرة من الشرائح التي كان مجتمع الصحابة يتكون منها كما سنتكلم عنها في ما يأتي، أو في آية: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ" (الحجرات 6) وغيرها من الآيات الشريفة. وفي بعض الأحيان جمع القرآن بين الشريحتين المؤمنة ومن سواها في آية واحدة، وهي كافية لحسم الجدل في هذا الشأن كما في قوله تعالى: "أَ فَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لاَ يَسْتَوُونَ" (السجدة 18) وهي ـ كما هو متواتر ـ قد نزلت في صحابين هما الإمام علي عليه السلام والوليد بن عقبة، للإشارة إلى حقيقة أن الصحبة لا تمنح الصحابي ذلك الموقع الذي أولاه العامة لهم. يمكننا ملاحظة القرآن الكريم من خلال ما حدّثنا به من حديث تعريضي لاذع في وصف ما سيؤول إليه حال هذا المجتمع من بعد الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم بقوله تعالى: "وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ" (ال عمران 144) أن يكشف لنا أن المعنى الذي تريد مفاهيم العامة تسويقه لا وجود له البتة، وهو نفس الأمر الذي أكدته السنة الشريفة كي تقطع المحاولات التي قد تحاول أن تفرغ الآية الكريمة من محتواها الحقيقي، من خلال الادعاء بأن هذه الآية لها علاقة بما يأتي من مجتمعات، ولا دخل للمجتمع الصحابي بها ، فلقد روى القوم متفقين عن أنس وغيره أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال: ليردنّ عليّ الحوض رجال ممن صاحبني، حتى إذا رأيتهم ورفعوا إليّ اختلجوا دوني، فلأقولن: أي رب أصيحابي أصيحابي، فليقالنّ لي: إنك لا تدري بما أحدثوا بعدك.
ويستطرد الشيخ الصغير عن أصحابي كالنجوم وعدالتهم: ورووا عن ابن عباس، عن النبي قوله عن أحوال يوم القيامة: ألا وإنه يجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول: يا رب أصحابي فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول كما قال العبد الصالح: "وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ" (المائدة 117) فيقال: إن هؤلاء لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم. لو صحّ ادعاؤهم بأن ما يقوم به الصحابة في أعمالهم إنما يعبّر عن صلاحية اجتهادية، واجتهاداتهم مثلها مثل اجتهادات المجتهدين ما أصابوا فيها فلهم أجران، وما أخطأوا فيها فلهم أجر واحد، ولا يضيرهم في ما عملوا من شيء! ومع إنهم لا يملكون على ذلك أي دليل غير هذا الخبر الذي عرفت وهنه وضعفه ، ولكن سنساير القوم ما ساروا لنتساءل عن طبيعة حدود العملية الاجتهادية؟ فما من شك ان أحداً لن يقول: إنها بلا حدود ، بحيث إنها يمكن ان تتخطى النص القرآني والرسولي، فإن قال بذلك أحد قلنا : أين ذلك من الآية الكريمة: "وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا" (الحشر 7)؟ ولا خلاف في أن حدود الاجتهاد هو النص ، فما من اجتهاد في مقابل النص، والحال ان أعمال الكثير من الصحابة تناقضت مع النص القرآني والرسولي بشكل صريح جداً، ولن اضرب المثال بالمجهولين من الصحابة، ولكن تعال معي أخي القارىء لنتصفح حادثة جرت بين صحابيين يعلن الغالبية من القوم بكافة طوائفهم أنهم أفضل الصحابة ، فمن المعلوم المتواتر ان أبا بكر وهو من يعدّوه أفضل صحابي بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم انتزع فدك من يد الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام بعيد رحيل الرسول بأبي وأمي بأيام قليلة، وهي من يعدّها الغالبية منهم بأنها سيدة نساء العالمين، ويجمعون على إن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال بحقها: فاطمة بضعة مني، من أرضاها فقد أرضاني، ومن أغضبها فقد أغضبني، وهو القول الذي استدل به بعضهم على انها أفضل من الشيخين، وبناء على وضوح ما يترتب على هذا الحديث ، من حيث إن من يؤذيها يؤذي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ومن يؤذي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إنما يؤذي ربه لوضوح قوله تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً" (الاحزاب 57)، ومن حيث إن غضبها ورضاها عليهاالسلام لا يمكن له أن يخرجها عن طاعة الله ورسوله، وإلا لما علّق الرسول صلى الله عليه وآله وسلم غضبه ورضاه على غضبها ورضاها.
https://telegram.me/buratha