الصفحة الإسلامية

اشارات الشهيد السيد محمد باقر الحكيم عن القرآن الكريم من سورة طه (ح 52)


الدكتور فاضل حسن شريف

جاء في كتاب علوم القرآن للسيد محمد باقر الحكيم: فواتح السور من الموضوعات القرآنية التي تناولها الباحثون هو فواتح السور، ونعني بفواتح السور هذه الحروف المقطعة الموجودة في فاتحة بعض السور القرآنية، وتزداد أهمية هذا الموضوع عندما نلاحظ ما أثير حوله من مشاكل وشبهات قد تؤدي إلى الشبهة في القرآن الكريم نفسه. وسوف يعالج هذا البحث تفسير هذه الظاهرة في القرآن الكريم، ومن خلال ذلك نعرف الجواب الاجمالي على الشبهات التي أثيرت حول هذا الموضوع، ونترك معالجة الشبهات حولها تفصيلا إلى بحث قرآني آخر. وقد جاءت هذه الحروف المقطعة في سور متعددة من القرآن وعلى أشكال مختلفة: منها ما هو ذو حرفين مثل: "طه * ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى" (طه 1-2). وحين نأتي لمعالجة هذه الظاهرة في القرآن الكريم لا نجد العرب قد عرفوا الأسلوب عند افتتاح كلامهم، كما اننا لا نجد لهذه الحروف معنى بإزائها غير مسمياتها من الحروف الهجائية. ولم يؤثر عن الرسول صلى الله عليه وآله شئ صحيح في تفسير هذه الحروف بل يكاد لا يؤثر عنه شئ في ذلك مطلقا إلا النزر القليل ليكون هو القول الفصل فيها، ولعل هذا هو السبب في تعدد آراء العلماء واختلاف وجهات النظر فيما بينهم بصدد تفسير هذه الحروف الامر الذي زاد من غموض هذه الظاهرة.

جاء في كتاب القصص القرآني للسيد محمد باقر الحكيم: فرعون يجادل موسى في ربوبية الله: وبعد أن رأى فرعون اصرار موسى وهارون على الرسالة "قال فمن ربكما" (طه 49) قال له موسى "ربنا الذي اعطى كل شئ خلقه ثم هدى" (طه 50) وهو رب السماوات والأرضين "وما بينهما وما تحت الثرى" (طه 6). قال فرعون "فما بال القرون الأولى" (طه 51) وما هي مصيرها؟ فأجابه موسى "علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى" (طه 52)، وهو "الذي جعل لكم الأرض مهدا وسلك لكم فيها سبلا وانزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى" (طه 53) مختلف ألوانه واشكاله. وقد استنكر فرعون هذه الدعوة الجديدة وهو يعتقد بنفسه الألوهية فتوجه لمن حوله مستنكرا وقال: الا تسمعون؟ ولما رأى الاصرار من موسى وأخيه اتهم موسى بالجنون وهدده بالسجن إذا اتخذ الها غيره.

قوله تعالى "اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى" (طه 8) عن المجتمع الانساني في القرآن الكريم للشهيد السيد محمد باقر الحكيم قدس سره: والأسماء من المفاهيم التي وقع الخلاف فيها بين علماء التفسير حول حقيقتها والمراد منها، والآراء فيها تسير في الاتجاهين التاليين: الأول: أن المراد من الأسماء الألفاظ التي سمى الله سبحانه بها ما خلقه من أجناس وأنواع المحدثات وفي جميع اللغات، وهذا الرأي هو المذهب السائد عند علماء التفسير، ونسب إلى ابن عباس، وبعض التابعين. وينطلق أصحاب هذا المذهب من فكرة أن الله سبحانه كان قد علم آدم جميع اللغات الرئيسة؛ وقد كان ولده على هذه المعرفة، ثم تشعبت بعد ذلك واختص كل جماعة منهم بلغة غير لغة الجماعة الأخرى. الثاني: أن المراد من الأسماء: المسميات، أو صفاتها وخصائصها، لا الألفاظ، وحينئذ فنحن بحاجة إلى القرينة القرآنية أو العقلية التي تصرف اللفظ إلى هذا المعنى الذي قد يبدو أنّه يخالف ظاهر الإطلاق القرآني لكلمة "الأسماء" الدالة على الألفاظ. والقرينة الدالة على استعمال لفظ "الأسماء" في المسميات، يمكن أن نتصورها في الأمور التالية: أ - كلمة علم التي تدل على أن الله سبحانه منح آدم العلم وبما أن العلم الحقيقي إنّما هو إدراك المعلومات أنفسها، لأن الألفاظ الدالة عليها تختلف باختلاف اللغات التي تجري بالمواضعة والاصطلاح فهي تتغير وتختلف، والعلم الحقيقي بالشيء لا يتغير، وهذا بخلاف المعنى فإنه لا تغيير فيه ولا اختلاف، فلابد أن يكون هو المسميات التي هي المعلومات الحقيقية. ب - قضية التحدي المطروحة في الآيات الكريمة، ذلك أن الأسماء حين يقصد منها الألفاظ واللغات، فهي إذن من الأشياء التي لا يمكن تحصيلها إلا بالتعليم والاكتساب، فلا يحسن تحدي الملائكة بها، إذ لا دلالة في تعليمها آدم على وجود موهبة خاصة فيه يتمكن بها من معرفة الأسماء، بل علمها بالتعليم الذي كان يمكن للملائكة أن يعلموا من خلاله، وهذا على خلاف ما إذا قلنا: إن المقصود منها المسميات، فإنها مما يمكن إدراكه ولو جزئياً عن طريق إعمال العقل الذي يعد موهبة خاصة، فيكون لمعرفة آدم بها دلالة على موهبة خاصة منحه الله إياها. قال الطوسي: (إنّ الأسماء بلا معان لا فائدة فيها ولا وجه لإيثاره الفضيلة بها). وقال الرازي: (وذلك لأن العقل لا طريق له إلى معرفة اللغات البتة، بل ذلك لا يحصل إلاّ بالتعليم، فإن حصل التعليم حصل العلم به وإلا فلا، أما العلم بحقائق الأشياء، فالعقل متمكن من تحصيله فصح وقوع التحدي فيه). ج - عجز الملائكة عن مواجهة التحدي، لأن هذه الأسماء لو كانت ألفاظاً لتوصل الملائكة إلى معرفتها بإنباء آدم لهم بها، وهم بذلك يتساوون مع آدم فلا تبقى له مزية وفضيلة عليهم، فلابد لنا من أن نلتزم بأنها أشياء تختلف مراتب العلم بها. ما هي العلاقة المعنوية التي صححت استعمال لفظ "الأسماء" مجازاً من المسميات؟ وحين يصل أصحاب هذا الاتجاه إلى هذه النقطة نجدهم يحاولون أن يتعرفوا على هذه العلاقة ويذكرون لذلك قرائن متعددة: 1 - فالرازي يرى هذه المناسبة والعلاقة في مصدر اشتقاق الاسم، فإن هذا الاشتقاق إما أن يكون من السمه أو السمو «فإن كان من السمة كان الاسم هو العلامة، وصفات الأشياء خصائصها دالة على ماهياتها، فصح أن يكون المراد من الأسماء: الصفات. وإن كان من السمو فكذلك، لأن دليل الشيء كالمرتفع على ذلك الشيء، فان العلم بالدليل حاصل قبل العلم بالمدلول، والصفات تدل على الموصوف، وهي كالظاهر المرتفع بالنسبة إلى الشيء. 2 - والشيخ محمد عبده يرى هذه العلاقة في شدة الصلة بين المعنى واللفظ الموضوع له وسرعة الانتقال من أحدها إلى الآخر. 3 - كما أنّه يرى في ذلك وجهاً آخر، يكاد يغنيه عن هذه العلاقة حيث: إن الاسم قد يطلق إطلاقاً صحيحاً على صورة المعلوم الذهنية أي ما به يعلم الشيء عند العالم فاسم الله مثلاً هو ما به عرفناه في أذهاننا لا نفس اللفظ، بحيث يقال: إننا نؤمن بوجوده ونستند إليه صفاته، فالأسماء هي ما يعلم بها الأشياء في الصور الذهنية وهي العلوم المطابقة للحقائق الخارجية الموضوعية، والاسم بهذا المعنى، هو الذي جرى الخلاف بين الفلاسفة، في أنّه عين المسمى أو غيره، الأمر الذي يدعونا لأن نقول: إن للإسلام معنى آخر غير اللفظ، إذ لا شك بأن اللفظ غير المعنى. كما أنّه هو الذي يوصف بالحسنى "اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى" (طه 8)، بما يعبر هذا الاسم عن الأوصاف الحسنة. وهذا هو ما نفهمه، مما في دعاء أمير المؤمنين عليه السلام من قوله: (وبأسمائك التي ملأت أركان كل شيء)، فإن هذه الأسماء إنما هي مظاهر الأوصاف الإلهية الحقيقية التي تجلت في كل الوجود، من القدرة والحكمة والرحمة والجود والكرم. فتعليم آدم الأسماء كلها، هو تعليمه الصفات والخصائص التي تتصف بها الأشياء.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
آخر الاضافات
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك